تحدثنا من قبل عن بعض جوانب الإعجاز القرآني، وكيف أن كلام الله معجز، وعرضنا بعض من حاولوا قبول التحدي القرآني والإتيان بسورة من مثله، يمكنك مراجعة المقال من هنا

وكانت الإشكالية هناك عدم وجود مقياس للقياس وبعد أغلبهم عن زمن القرآن وسوء النقل الذي جعل بعض ما وصل إلينا من باب السخرية منهم، واليوم نقدم إشكالية وهي: هل القرآن كله معجز؟ هل القرآن نزل بأسلوب غير الذي عرفه العرب؟

أما الأول فسأحيلك لآيات القصص التي تروي قصصًا بين أطراف بشر، فهل تلك الآيات تعد من قبيل الإعجاز؟ مثل " أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" أم أن الإعجاز يتضمن الوحدات الكلية "السور" لا الأجزاء والآيات؟ لأنه ليس صعبا أن تأتي بآية كهذه، وهنا يعترض البعض من وجهين، أولهما أنه لا يكفي أن تأتي بآية بل يجب أن تأتي بسورة كاملة أو عشر آيات، وثانيهما أن هذا الكلام معجز بلاغيًا وإن كنت تظن أنك تستطيع الإتيان بمثله لأن الله اختار أفضل الكلمات والأساليب المتوفرة في اللغة للتعبير عن ذلك المعنى، وهذا ما ينقلنا للإشكالية الثانية، هل يقتصر الإعجاز هذا على القرآن؟

هنالك الكثير من الصحابة الذين وافقهم القرآن الكريم في مواقفهم والمعاني التي تحدثوا عنها، منهم من وافقهم الوحي في المعاني والأذان، وعمر بن الخطاب من أكثر من اشتهر عنه هذه الموافقه، وله في البخاري ومسلم حديث - وشرط البخاري أقوى الشروط ولم أراجع سند الحديث والحديث في باب القبلة- يقول فيه:

394 66 - حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن حميد ، عن أنس قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث ؛ فقلت : يا رسول الله ، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ! فنزلت : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وآية الحجاب ؛ قلت : يا رسول الله ، لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر ! فنزلت آية الحجاب ، واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة عليه ، فقلت لهن : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن - فنزلت هذه الآية .(1)

وجه العجب في هذا الحديث ليس أن الوحي وافق عمر في ٣ حالات على الأقل في المعنى والغاية، بل أنه جاء مطابقًا في اللفظ تقريبًا لما قاله عمر، وهذا يرد على الإعتراض السابق القائل أن البشر غير قادرين على الإتيان بالمعجز لعدم إحاطتهم بكل ما في اللغة، فإما أن ترجع في قولك أن الآية الواحدة معجزة لأنها أفضل تركيبة لغوية ممكنة تؤدي المعنى لا يستطيع البشر الإتيان بها، لأنها ليست معجزة إن فعلها أحد البشر ولم أتحدث هنا عن الرسول، أو تقول أن الحديث ضعيف ولم يقلها عمر أو أنه يتوهم.

نكرر السؤال: ما وجه الإعجاز في القرآن؟ هل إعجاز المعاني حيث لن يصل لمعانيه التي قدمها أحد -وهو ما لم يقل به أحد ولكني أضعه من باب الجدل، الإجابة لا فكثير من الأحكام والمعتقدات التي قدمها كانت عند العرب أصلًا، هل من باب الآية فكل آية معجزة بلاغيًا أو ما شابه؟ ستتصادم مع آيات القصص والآيات مثل "الم" والحالة التي وضحناها بالأعلى. هل إعجاز القرآن فيه كله؟ بمعنى هل الإعجاز يتحقق في السورة أو المصحف كله؟ وهذا ما قد نتحدث عنه يومًا ما.

(1)

(١)