من منا لم يسمع عن الفرزدق ذلك الشاعر الفحل الذي احتار فيه النقاد، والفرزدق برغم من كونه هجاء سليط اللسان إلا أن له قصة طريفة مع ابنة عمه وزوجته نوار، فقد كان وصيا عليها، وأخبرته أن شخصا يريد الزواج منها، فقال لها أنه يخاف أن يقال أنه أكرهها على الزواج، فإن أرادت الزواج من ذلك الشخص، فلتقل في المسجد بعد الصلاة أنها تقبل بمن يزوجها به، ففعلت وأشهد القوم عليها، ثم قال: أنا أشهدكم أنني زوجت نوار لنفسي، ولم يجرؤ أحد أن يقف أمامه خوفا من لسانه السليط، ولم يشهد أحد ضده أمام القاضي، فمكثت نوار زوجة له على كره منها، حتى كان ابن الزبير واليا على مكة فذهبت له، وخيرها بين أن يبعث بالفرزدق للغزو وبين أن يسجنه؛ ثم قال لها وهو ابن عمك فماذا ترين؟ فقالت أنها توافق على الزواج، وخرج الفرزدق ونوار من عند ابن الزبير متحابين.

للمزيد عن قصة زواج الفرزدق بنوار يمكنكم رؤية المقطع التالي:

قد يقول قائل ما المثير أو المدهش في القصة، وما داعي ذكرها؟ كل ما ذكرت هو تمهيد لبيان كيف حارب الفرزدق واستعدى الناس واحتال من أجل الزواج من نوار-ليس معنى ذكري القصة أني موافقة على تصرف الفرزدق- ثم................... يطلقها! نعم يطلقها، وسبب طلاقها المذكور في كتب الأدب، وهو أنه هجا جريرا بقصيدة، وقال له إن استطع أن ينقضها عليه، وأن يهجوه بأفضل منها فنوار طالق! وافق جرير وكتب قصيدة قوية، واختلفا في أيهما أقوى، فتحاكما عند الخليفة الذي قضى بأن قصيدة جرير أقوى وأن نوار طلاق. لرؤية بعض الأبيات الواردة في القصيدة:

ولقد ندم الفرزدق على ذلك ندما شديدا، وكتب الأشعار، ولكن هيهات أن ينفع الندم، وفي ذلك يقول:

ندِمْتُ نَدَامَةَ الكُسَعِيّ لَمّا. غَدَتْ مِنّي مُطَلَّقَةً نَوَارُ

وَكَانَتْ جَنّتي، فَخَرَجْتُ منها. كَآدَمَ حِينَ لَجّ بِهِ الضِّرَارُ

وَكُنْتُ كَفاقىءٍ عَيْنَيْهِ عَمْداً .. فَأصْبَحَ مَا يُضِيءُ لَهُ النّهَارُ

وَلا يُوفي بحبِّ نَوَارَ عِنْدِي،... وَلا كَلَفي بهَا إلاّ انْتِحَار

تفكرت في هذه القصة كثيرا وتسائلت كيف تكون النهاية طلاق الفرزدق لنوار، واهتديت أن الأهم من تحقيق الحلم هو المحافظة عليه.

فالطالب الذي ذاكر بجد ليدخل كلية ما، ولم يحافظ على نجاحه وفصل منها قد أضاع حلمه.

وصاحب المشروع الذي بذل النفس والنفيس من أجل مشروعه، ولكن لم يتابعه بشكل جيد فخسر مشروعه

هناك قاصم مشترك بينهم جميعا، وهو عدم التفاني في الحفاظ على ما حققوا.