فلنتخيّل موقفاً يوضح الفكـرة مباشرة :

انت الآن من الداعمين لفكـرة الارض المُسطّحة. الفكـرة تستهويك بشدة ، قمت بكتابة مقالات عنها ، ثم جمعت هذه المقالات في كتاب نشرته بإسمك في السوق ..

أسست صفحة على الفيسبوك تهاجم بضـراوة كروية الأرض وتتهم القائلين بها بالجهل. قمت بإنشاء قناة على يوتيوب وتقوم بتحميلها بفيديوهات تأخذ من وقتك ساعات طويلة في وضع المحتوى وجذب الحجج والأسانيد التي تثبت بها ان الارض مسطحة وليس كروية.

شتمت هذا ، وهاجمت هذا ، واتهمت هذا بالعمالة ، وناسا عميلة قذرة ، الناس كلهم مُخدّرون منساقون وراء ما تريده ناسا .. خسرت بعض اصدقائك بسبب هذا التوجه العصبي المُنفعل ، دخلت في سجالات عنيفة زرعت مشاكل بينك وبين العشرات.

ثمّ - وبكيفية ما - ركبت صاروخاً أرسلك الى محطة الفضاء الدولية لترى بأم عينيك ان الأرض كرة ..

هنا ، كيف سيكون موقفك ؟ .. هل ستعود عن كل ما فعلته ، بعد أن خضت كثيراً في الوحل وأظهرت نفسك بمظهـر المؤمن المُطلق بشيء صحيح ، وسُقت له حجج وبراهين ، ونشرت من اجله كتاباً وضيعت من اجله ساعات طويلة ؟ .. هل ستستلم بسهولة امام عشرات الخصوم الذين دخلت معهم في نزاعات فكـرية طويلة مليئة بالاستخفاف والعنف ؟ .. هل ستتحمّل نظرات السخرية من عيونهم عندما تدرك الحقيقة ؟

أم ، وهذا وارد .. ستستمر في دعم فكـرة ان الارض مسطحة ، رغم انك رأيت بأم عينيك أنها كروية ، وستتهم ناسا مرة أخرى بتخديرك أو اعطاءك مشروب مهلوس هيأ لك أن الأرض كروية ، وهي في الواقع مُسطّحة ؟

المثال لتوضيح الفكـرة وليس هو المقصود تحديداً، وينطبق على كل شيء في حياة كل واحد منا بخصوص أفكـاره بدءً من أصغر الافكـار وانتهاءً بأكبرها واكثرها مصيـرية وتأثيراً ..

إقتناعك بفكـرة ما في مرحلة من مراحل حياتك ودفاعك عنها بعنف وتوليد بعض الخصوم ، ثم ادراكك لاحقاً انك كنت على خطأ .. أو لم تكن موفّقاً .. أو كنت مُندفعاً اندفاعاً عاطفياً وليس عقلياً .. وقتئذ ، بعد ادراك الحقيقة ، ماذا سيكون موقفك ؟ .. التراجع ، الإستمرار ، العناد ، الانسحاب ، الصمت ، الاعتذار ؟

ربما افضل مكان لطرح هذا السؤال هو حسوب كمجتمع نقاشي يسوده في بعض الاوقات روح العصبية والانفعال. ما هي " الدوافع " التي تشعر بها في مرحلة " ما بعد اكتشافك انك على خطأ مُريع طول الفترة الماضية " ؟