كنا نخبىء أنفسنا ، ونجد بكل يسر وسهولة أماكن للاختباء ، نختبىء خلف متاريس عديدة من المشاغل ونفاد الوقت ، وضياع البريد، واختفاء الحرارة، وحتى ضيق ذات اليد أحيانا، وذلك عندما نجابه بعتاب من نحب، وندرك بأننا أخفقنا في أداء واجبنا التواصلي نحوه.

واليوم عليك أن تكون أكثر مهارة عندما تريد أن تهرب ، أكثر مراوغة أكثر زيفا ربما، عندما تريد أن تنسج لافتة تختبىء خلفها من عتاب صديق أوملامة من تحب.

في زمن الجوال أنت قادر على التواصل في أي زمن ، حتى وأنت في أقصى نقطة في منزلك، قائما أو قاعدا أو على جنبك.

وإذا كانت نفسك عازفة عن الثرثرة، فأنت قادر على أن تمارس فعل الكتابة بكل راحة.

وقد جاء اليوم من يكتب لك إذا كان قلمك قد جف حبره، ويبسط أمامك أنهارا من بديع الكلمات إذا كانت قريحتك مجدبة، ويجعل لرسالتك رونقا ويضفي عليها لمسات، ثم جاء من يحملها عبر الأثير، وعبر المسافات البعيدة مجانا وبغير كلفة سوى ضغطة واحدة من طرف إبهامك غير المبالية ،ليقرأها من ترغب إذا كنت لا تريد لصوتك أن يصافح مسامعه لأسباب عدة، عليك أن تقنع بها ذاتك أولا وتستكين لوجاهتها وتستريح .

ففي زمن (الواتساب ) لم يعد الوقت عذرا، ولا المسافة حائلا، ولا الكتابة معضلة.

فهناك من كتب وانتخب من لغة الضاد عبارات معلبة، وزين أطرافها بشتى ألوان الورود الموسمية، وما عليك إلا أن تنتقي وبلمسة لا تكاد تقع من من سيل العبارات المنمقة وتضغط إرسال ؛فيرتعش على شاشة جوالك سهم ،وربما صورة لمغلف أصفر يحاكي زمن الرسائل في الزمن الخلي ، ثم يتبخر في فضاء الأثير ،يشق المسافات القاصية والدانية إلى من تريد .

جل ماهنالك أن هناك أماكن في القلب وأخرى على أطرافه، وأماكن خارجه وعليك أن تعلم وأن تخمن أين يقع مكانك في قلب من يطرأ على بالك ويشغله أحيانا أوبعض حين كأن يكون إنسانا تحبه أو تتمنى محبته والتواجد معه، أو ربما توهمت محبته وبقيت زمنا غير يسير واهما بأنك هناك مستقر بين الحنايا في ذلك المكان الأكثر حصانة ودفئا بينما الواقع الذي لا تعلمه، وربما لا تريد أن تعلمه، أنك خارج المساحة الأثيرة بعيدا عن الأطراف القصية للفؤاد، ولكنك تعيش واقعا تتجاهله وتريد أن تبقى سادرا في ظنونك ولا تريد لها أن تنجلي.

في زمن (الواتساب ) ليس هناك أعذار مجدية؛ لكن هناك تفاضلا في أعماقك حيال تواجد الآخرين بها كما في أعماقهم تفاضل تجاهك .

في زمن (الواتساب) ستبقى أبدا عاتبا، وسيبقى عليك من الآخرين عتب، وربما ستبقى منتظرا لتلك الرسالة الأثيرة بكلماتها الأجمل كي تطرق بابك ذات عشية ولكنها الرسالة التي لا تأتي أبدا.