ربما يكون العنوان غريب لكن ستعرف المقصود منه بعد قليل، في هذا الموضوع سأتحدث معكم كشخص كمالي (perfectionist) بوضوح عن معاناة أن تحمل هذه الصفة.

حسب ويكيبيديا فإن الكمالية (perfectionism) في علم النفس هي سمة شخصية تتسم بكفاح الفرد لبلوغ الكمال ووضع معايير عالية جدًا للأداء، يصحبها تقييمات نقدية مبالغة للذات ومخاوف من تقييمات الغير. والأفضل تصويرها على أنها صفة متعددة الأبعاد، حيث اتفق علماء النفس على اشتمالها على العديد من الجوانب الإيجابية والسلبية. قد تدفع الكمالية الأفراد لمحاولة تحقيق المثالية التعجيزية، وقد تدفعهم كماليتهم التكيفية في بعض الأحيان إلى الوصول لأهدافهم. وفي النهاية، يستمدون الشعور بالسعادة من فعلهم هذا. وعندما لا يستطيع الكماليون بلوغ أهدافهم، كثيرًا ما يصابون بالاكتئاب.

كشخص كمالي بامتياز، أستطيع القول أن الكمالية في بعض الأحيان تكون مرض عقلي ونفسي بلا شك! لا يمكن للشخص الكمالي أن يكون سعيداً على الإطلاق إن اعتمد فقط على هذه الصفة، لأن ببساطة الكمال غير موجود، حتماً لدى الشخص الكمالي الكثير من النواقص، وسيفشل كثيراً وسيكره فيه الآخرون بعض الصفات، لكن الشخص الكمالي لا يمكن أن يستسلم لأي من ذلك، ولنكن أكثر وضوحاً، الشخص الكمالي لا يقول أنه ليس به نقص أو أنه لا يرتكب أخطاء، بالعكس الشخص الكمالي هو أكثر الناس انتقاصاً في حق نفسه، كشخص كمالي، دائماً أنا من على خطأ، أنا من فشلت في فعل الأمر بشكل صحيح، ولذلك فهناك فرق كبير بين الكمالية والنرجسية أو جنون العظمة.

هناك نوعين مختلفين من الكمالية، منشدو كمال طبيعيون ومنشدو كمال عصابيون. ويسعى منشدو الكمال الطبيعيون إلى تحقيق الكمال دون تقليل احترامهم لذاتهم، كما يستمدون الشعور بالسعادة من المجهود الذي يبذلونه. ويناضل منشدو الكمال العصابيون لبلوغ أهداف غير واقعية ويشعرون بعدم الرضا باستمرار عندما لا ينجحون في تحقيقها.

لا أعتقد أن هناك شخصاً يستطيع أن يفعل أي أمر أفضل من ما يفعله شخص كمالي، الشخص الطبيعي (الغير كمالي) يتعامل مع الأخطاء على أنها أمر طبيعي، ولذلك فهو يتسامح مع نفسه إن لم يفعل الأمر كما يجب، لكن الشخص الكمالي حازم مع نفسه، لا يقبل بالخطأ ولو كان صغيراً. الشخص الكمالي مهتم بأدق التفاصيل لذلك إن أردت أن توكل شخص بفعل أمر، فعليك بالشخص الكمالي، ولكن أخبره أن الأمر انتهى وليس عليه فعل المزيد قبل أن يجن جنونه لأنه صدقني لن يتوقف :")

ببساطة الشخص الكمالي لا يعرف ماذا تعني الراحة، وبالتالي فلن يكون راضياً أبداً، وبالتالي فلن يكون سعيداً، الحل الوحيد معه هو النوم، أو النسيان، لكن طالما الأمر يعنيه فلن يتوقف عن السعي، ولن ينتهي عن فعل ذلك، كل صغيرة في حياته سيكون مهووساً بها، يريدها على أفضل حال. الشخص الكمالي دائم القلق، خاصة بما ليس له يد فيه.

بعض الصفات المقترنة بالكمالية:

السعي نحو اليقين (Certainty)

أعتقد أن جميع المشاكل التي يمكن أنا تأتي للشخص الكمالي ستكون نتيجة طبيعية لصفة الكمالية في حد ذاتها، السعي نحو الكمال هو رأس الأفعى. ومن السم الذي ينفثه الكمال، هو السعي نحو اليقين.

اليقين هو الآخر شيء ليس له وجود ولا يمكن الوصول إليه بأي حال من الأحوال، ولا أقصد هنا اليقين القلبي (الإيمان)، بل اليقين المعرفي، المعرفة متوفرة للجميع، تستطيع أن تطلب المعرفة في أي وقت، لكن الشخص الكمالي متوهم أن هذه المعرفة قد تقوده إلى اليقين يوماً ما. السعي الدائم نحو اليقين، إن لم يقابله تحكم في النفس سيقود إلى نفس النتيجة، عدم الرضا والراحة. إن استسلم الشخص لرغبته في الوصول إلى اليقين، سيكون في حالة دائمة من السخط والتعاسة، ولن يستمتع أبداً بما جناه من معرف.

وقد ترجمت إجابة من على موقع Quora عن سؤال بعنوان "لماذا أشعر بالحاجة إلى معرفة كل شيء على وجه اليقين؟" تستطيعون قراءة الإجابة مترجمة من هنا:

الفائدة الوحيدة هي أن رغبتك في الوصول نحو اليقين ستجعل منك حتماً شخصاً عاشقاً للمعرفة، لن تتوقف وتقنع بما تعرف، بل سترغب بمعرفة المزيد، والمزيد، والمزيد. وبم أن المعرفة لا تنتهي، والمعرفة دائماً مفيدة، فإن هذا الشيء لا يمكن أن يكون ضاراً على الإطلاق في هذا الإطار.

الشكوكية

قد تبدو هذه الصفة منافية لما قبلها، كيف يسعى الشخص لليقين وفي الحين نفسه لا يتوقف عن الشك؟ ولكن نعم، هذا جزء آخر من معاناة الشخص الكمالي، الشخص الكمالي يطلب اليقين من جهة فيما يتعلق بالمعرفة، ولا يكف عن الشك في كل شي من جهة أخرى، قد يشك الكمالي في نفسه، في معرفته، في الأشخاص من حوله، وكل ذلك من أجل هدف واحد، السعي نحو الكمال.

الشكوكية في حد ذاتها ليست صفة سيئة، خاصة من الناحية الفلسفية، لابد أن يقابل كل شيء بالشك وعدم الاطمئنان، ولكن عندما يقترن الأمر بالكمالية، خاصة في الحياة الاجتماعية وليست الفكرية، فإن الحياة ستتحول إلى جحيم.

اللاكتراثية

الشيء الوحيد الذي وجدته شخصياً قد يضرب بالكمالية عرض الحائط، هو اللاكتراثية، بدأت أطبق ذلك في نواحي عديدة من حياتي عندما وصلت لدرجة كان فيها السعي نحو الكمال قد وصل لأعلى درجاته، عندما تقابل السعي نحو الكمال باللاكتراثية، حينها فقط قد يهدأ الشخص الكمالي، حينها يستطيع النوم بسلام، نعم السعي نحو الكمال واليقين صعب ولا يمكن الوصول إلى أيا منهم، ولذلك قد يجد الكمالي النعيم عندما يصبح لااكتراثياً، شعور رائع عندما تجد نفسك ككمالي، لا تريد أن تعرف ما يحدث، ولست مهتما بشيء، ليست عدم اكتراثية لكل شيء، ولكن لشيء محدد، وهذا ما بدأت في ممارسته، بدلاً من أن أبقى نفسي مهتماً بكل شيء أمامي، قد أضيق النطاق قليلاً في الأشياء التي أهتم بها، عندئذ أستطيع ممارسة عادتي المفضلة في السعي نحو الكمال مع هذه الأشياء فقط، ربما في يوم من الأيام أصل إلى نتيجة مرضية ومريحة، أما في ما يتعلق بالاشياء الأخرى فليس علي الاكتراث، أستطيع النوم الآن.

كيف تتعامل مع الشخص الكمالي: (نداء استغاثة)

صدقني نحن الكماليون مثيرون للشفقة، كشخص كمالي كل ما أريده من الناس خاصة في الحياة الاجتماعية الشخصية، هو الوضوح، صدقني نحن نكره الشخص الغامض، لأن ذلك الشخص هو أقل شخص يمكننا أن نعرف شعوره تجاهنا، وبالتالي لن نتوقف عن التفكير والقلق حيال ذلك، إذا كنت تتعامل مع شخص كمالي رجاءاً كن واضحاً معه قدر الإمكان، لا تخبره بما يريد أن يسمعه، لا أنصح بذلك حتى ولو كنت ستؤذيه، لكن أن تصدمه ببعض النواقص ربما يعتاد على نسيانها، وهذا أفضل أن لا تخبره بها وتتركه يشك في ذلك، ربما يكون التعامل مع الشخص الكمالي صعب جداً، ولكن إن وجد معك الراحة ستجده أشد الناس ولاءاً وحباً لك، كيف له أن يترك الشخص الذي وجد معه الراحة؟ ولكن هذا فقط إن وجدها :/

هل أكره كوني كمالياً؟ لا، أحب هذا الشيء بكل عيوبه ومميزاته، ولا أستطيع تخيل شخصيتي بدون هذه الصفة، ولكن أتمنى فقط أن لا تسيطر علي حتى لا يجن جنوني فقط :")

________________________________

إن كنت شخصاً كمالياً، هل تعاني في حياتك ما أعانيه؟ أم أن الأمر مختلف معك؟

أما إن لم تكن شخصاً كمالياً، فلا تلقي الأحكام علينا، صدقني نحن أدرى بعيوبنا من أي شخص، ولكن إن كانت لك نصيحة فلا تبخل علينا.

إن كان لديك بعض الأسئلة تريد إلقائها على شخص كمالي، فباب السؤال مفتوح.

دمتم في كمال.

P.S. تقريبا استغرق مني كتابة العنوان أكثر من كتابة الموضوع، لأنني كنت دائما أشعر أن هناك عنواناً أفضل، وأثناء كتابتي للموضوع، فكرت كثيراً في أنني لم أكتبه على أكمل وجه، وأنه ربما علي كتابته في وقت لاحق، وهذه نتيجة أخرى للكمالية، التسويف، عدو الإنسان الأزلي.