في عام 1979 أطلقت مجلة علمية لقب (أذكى رجل في العالم) على الفيزيائي ريتشارد فيمن، وعندما بلغ أمه ذلك قالت: إن كان هذا أذكى رجل في العالم، فأنقذنا يا رب! ... القصة على طرافتها الشديدة إلا أنها تستحضر إلى الأذهان الفكرة التي عبر عنها المثل المشهور "زامر الحي لا يطرب".. لماذا لا يعطينا القريبون منا التقدير الذي نستحقه، ليس فقط على مستوى الوطن الذي نعيش فيه؛ ولكن نرى ذلك أحيانًا في الأسرة الواحدة.. أختك خفيفة الظل جدًا.. والدك منفتح ويجيد الحوار.. ابنك سريع البديهة... ووو.. أحيانًا تستوقفنا هذه العبارات.فنتساءل بدهشة ... عمن يتحدثون أبي أنا؟.. أختي؟ .. ابني؟!... القرب الشديد أحيانًا يغرقنا في التفاصيل حتى أنه قد يعمينا عن أمور شديدة الوضوح والظهور، بينما يراها البعيدون بشكل أوضح لأنها أبرز ما فينا.... قد يكون اعتيادنا على الناس القريبين منا، اعتيادنا على حبهم وعطائهم لنا .. اعتيادنا على سماتهم الإنسانية يجعلها تصير أمورًا غير مدركة.

قرأت ذات يوم قصة إنسانية جميلة تروي فيها سيدة أنها تزوجت من رجل زواجًا تقليديًا، وعلى الرغم من أنه كان رجلًا كريمًا وذا صفات طيبة إلا أنها لم تعتبر هذا شيئًا ذا بال ولم تستطع أن تحبه قط.. وانعكس هذا على حياتهما معًا فصارت تعامله بجفاء شديد بلا مبرر.. إلى أن جاء يوم أصيب فيه زوجها بكسر في ساقه أقعده في الفراش فترة طويلة.. في يوم الإصابة فوجئت بعدد كبير من زملائه في العمل يتوافدون على منزلهما للسؤال عنه، والكل متلهف للاطمئنان عليه، الكل يثني عليه، وعلى خلقه وشهامته .. لكل واحد منهم معه موقف جميل كان فيه إلى جواره.. هو السباق بالخير، الجاد في عمله، الخلوق... ما هذا الكم من الثناء؟ .. ما كل هذا الحب والتقدير الذي يكنونه له؟.. لماذا لم أستطع أن أحبه وأرى فيه من الخير ما رآه كل هؤلاء؟!... وكان هذا الموقف نقطة التحول في حياتهما، فقد رأته من جديد بعيون هؤلاء الناس الذين أحبوه، وأحبوا الخير الذي فيه.

زامر الحي أيضًا يطرب إذا قدر أهل الحي فنه، وإلا فليستعيروا آذان جيرانهم، وحتمًا سيطربون.