كراهية الالتزام والخوف منه أمر يعاني منه الكثير من الناس بدرجات متفاوتة، ويتسبب في بعض من الأحيان في تعطيل الحياة، وهذه ليست مبالغة ولكنها مشاهدات رأيتها شخصيا في حياتي.. فقد رأيت رجلا بلغ مبلغا كبيرا من العمر دون زواج، وليس لديه ما يمنعه من أن تكون له أسرة.. هو فقط يخشى الالتزامات المترتبة على الزواج من إنفاق وتوجيه وواجبات اجتماعية... الخ. ورأيت من لم يستكمل دراساته العليا بعد أن بدأها بالفعل رغم أن لديه من الذكاء والمال والوقت ما يمكنه من إنجاز ذلك.. فقط لأنه يخشى الالتزام بدراسة ومحاضرات بعد مواعيد العمل وقراءة واختبارات.. والنتيجة أن سبقه في الترقي في العمل من هم دونه بمراحل ولكنهم امتلكوا العزيمة التي افتقدها هو... وإذا نظرت حولك فستجد الكثير من هذه النماذج التي كان الخوف من الالتزام فيها سببا لتعطيل الحياة وتأخر الإنجاز فيها.

الحقيقة أنه لا نجاح بدون التزام، ولا تقدم في أي أمر من أمور الحياة بدون التزام من نوع ما، بل لا حياة بدون التزام؛ فحياة الإنسان هي مجموعة من الالتزامات الكبيرة والصغيرة، طويلة وقصيرة المدى فقد خلقنا الله تعالى مكلفين وعلينا التزامات؛ بل خلق الإنسان في كبد فأدنى مكسب لا بد له من جهد مبذول و التزام بأمور معينة للحصول عليه.

من مفارقات هذه الدنيا أن ينطبق الأمر ذاته على الغايات الطيبة والغايات الخبيثة على حد سواء... فحتى من قرر أن يحترف السرقة أو التزوير فإنه يلتزم بقواعد اللعبة من مران وفرار وتخفي...

وهنا يأتي السؤال: هل إذا تخففت من التزاماتك ستتخلص منها تماما؟

لا.. لن تعيش خاليا أيضا فحتى الإنسان الفارغ من كل شأن سيجد نفسه ملتزم بأمور معينة شاء أم أبى، حتى وإن كانت التزامات بسيطة.. هي التزامات على أي حال... وسيأتي يوم يدفع فيه ثمن هذا الفراغ الذي طالما استمتع به. الالتزام أمر غير محبب إلى النفس إطلاقا، فالإنسان بطبعه يميل إلى الدعة والتحرر من القيود، والالتزام بأمور معينة هو قيد بحد ذاته...يقول بطل الملاكمة العالمي محمد علي ( كرهت كل لحظة من التدريب و لكني كنت أقول: لا تستسلم، اتعب الآن ثم عش بطلا بقية حياتك) ....

لا ابرح حتى أبلغ!

من أهم مقتضيات الالتزام الصبر والمثابرة، وما أجمل مقولة نبي الله موسى عليه السلام في رحلته لطلب العلم: (لا أبرح حتى أبلغ)... ما أجملها من عبارة، وما أجمل الإصرار الذي تحتويه .. اجعلها شعارك في الحياة

حدد هدفك.. اعرف ما يقتضيه الأمر لتحقق ما تصبو إليه، ثم إذا (عرفت فالزم) .. وبقدر التزامك بقدر ما تنال.