الجزء الثاني من [انطباعي عن anti إلحاد]: لماذا خلقنا الله؟

بصراحة أشعر بأن تغييرًا كبيرًا قد يحصل في حياتي بعد نهاية هذه السلسلة أو ربما بعد عدة حلقات أخرى. هذا البرنامج من أفضل ما رأيت، بسببه قد أنتقل من اللاأدرية إلى الربوبية أو اللادينية (أي الإيمان بوجود إله وفقط، بعيدًا عن الأديان). ربما أيضًا تتغير نظرتي للأديان إن تحدّث عنها في الحلقات القادمة. فأكثر ما يعجبني فيه هو إلمامه الكبير بفكرة الإلحاد -بعكس الكثير من المشائخ الجهلة-، وأيضًا استخدامه للمنطق.

رأيي في الحلقتين الثالثة والرابعة:

الحلقة الثالثة (من خلق الله):

أتفق معه في أغلب ما قاله، هناك قوة خارقة غامضة خارج الزمكان ولا يمكن إدراكها والتعامل معها بالقوانين المحدودة التي نعرفها، ولكن لدي سؤال: كيف تأكد أن الخالق هو إله واحد فقط وليس مجموعة آلهة مثلًا؟

فاستنادًا على المثال الذي ذكره: أن الإنسان صنع ثلاجة مثلًا تخضع لقوانين معينة هو لا يخضع لها، قد يكون أكثر من شخص صنعوا تلك الثلاجة وليس شخص واحد، كذلك مع الإله، مجموعة آلهة هم من أوجدوا هذا الكون الشاسع وليس إله واحد فقط، لمَ لا؟

الحلقة الرابعة (لماذا خلقنا):

هنا هو لم يعطي إجابة شافية، فقط قام بتفضيل فئة على فئة أخرى. فضّل الفئة التي تؤمن بأن الغاية هي عبادة الإله (المؤمن الذي يرى أن حياته عبارة عن رحلة قصيرة بين غيبين)، على الفئة التي تؤمن بالصدفة والعبث واللاغاية (الملحد الذي يرى أن حياته عبارة عن رحلة قصيرة بين عدمين).

شخصيًا أرى إمكانية إضافة احتمال ثالث وهو: الإيمان بذلك الإله أو الآلهة دون أداء أي عبادة، فقط روحانيات ومشاعر عندما أتأمل الطبيعة، كمثال: إذا صعدت قمّة أحد الجبال، أو ذهبت إلى وسط البحر راكبًا سفينة والأمواج عالية والأمطار غزيرة، حينها يكفي اندهاشي وقشعريرة جسمي عند مشاهدة تلك المناظر وأقول: وااو، هكذا وفقط.

نعم

هنالك انخفاض في المستوى

طبعا مضمون الحلقة الثالثة والرابعة مضمون جيد وبل ممكن أن يكون ممتاز

لكن مستوى الطرح والتسلسل المنطقي في الحلقة الأولى والثانية أعلى بكثير وهذا ما يجعلنا غير راضيين أو مقتنعين بالطرح الجديد في حلقة 3 و 4 على أن طرح حلقة 4 برأيي أفضل من طرح حلقة 3

بخصوص سؤال الحلقة الثالثة

"من خلق الله"

الدكتور إختصر كثيراً مناقشة هذا السؤال وربما هو يريد حصر الإجابة بوقت الحلقة

لكن هذا الاختصار في وجهة نظري أعاب القيمة المنطقية الإقناعية (إن صح التعبير) لمضمون الحلقة

في وجهة نظري

أن المنطقي بداية في الرد على سؤال "من خلق الله" بيان أن هذا السؤال غير مرتبط بشكل مباشر ببرهان اثبات وجود خالق للكون

بمعنى أن الإنسان ليس بحاجة إلى معرفة جواب "من خلق الله" لكي يعرف هل للكون خالق

وفي هذه النقطة كان ينبغي بيان كيف أن الملحدين في حقيقة الأمر يعجزون عن الرد على جواب المؤمنين على دليل أن للكون خالقا فيلجئون لعجزهم إلى محاولة تعجيز المؤمنين عن طريق طرح هكذا سؤال

بعد بيان النقطة السابقة

يفترض أن ينتقل البيان إلى توضيح كيف أن قاعدة "لكل فعل فاعل" لا ينبي عليها بشكل مباشر سؤال من هو موجد الفاعل

وسأضرب مثال للتقريب فقط

لنتخيل شخصان يتناقشان حول من الذي قام بتجميع قطع السيارة ورتبها بهذا الترتيب وجعل منها مركبة تتحرك عند تشغيلها بنظام القيادة الموجود بالسيارة

فالشخص الأول مثلا ينكر وجود صانع للسيارة

والشخص الثاني يؤمن بوجود صانع للسيارة

فاذا ما قال الشخص الثاني أن لكل فعل فاعل فتشكيل معادن السيارة بالشكل المناسب وتركيبها ووضع نظام محدد للقيادة يوجب أن يكون لكل ذلك فاعل

فعندما يرد الشخص الأول ولكن من الذي صنع صانع السيارة؟ فسؤاله هذا مشاغبة وهروب

لأن وجود صانع للسيارة واقتناعنا بوجودة لا يعتمد على معرفتنا بمعرفة جواب من صنع صانع السيارة؟

بعد كل ما سبق

نأتي إلى بيان السياق السليم الذي يكون فيه طرح سؤال "من خلق الله" منطقي ومقبول

وهذا يكون عند الحديث عن وحدانية الخالق وأنه ما من خالق إلا خالق واحد

فالمؤمن عندما يحاول اثبات وحدانية الخالق سيتحدث عن قاعدة "كل موجود لا بد وأن له موجد" و أن كل صانع نراه في هذا الوجود أتى عليه وقت لم يكن موجوداً ثم في وقت ما أصبح موجوداً

والمؤمن له بناء منطقي يوصله إلى قناعته بأنه لا بد أن يكون هنالك موجد واحد أوجد كل الموجودات

وفي هكذا سياق طبيعي أن يطرح المعترض سؤال "من خلق الموجد الأول" أو "كيف وجد الموجد الأول" أو "من خلق الله"

وللمعترض أن يسأل لماذا لا نطبق نفس البناء المنطقي ونقول أن هنالك من أوجد الله تحت قاعدة لكل موجود موجد

فهذا هو السياق المنطقي لطرح هذا السؤال وكان من الجميل طرح حلقة مستقلة لمناقشة وبيان جواب المؤمنين على هكذا اعتراض

بخصوص سؤال الحلقة الرابعة

"لماذا خلقنا الله"

فشخصيا أظن الدكتور أجاد في بيان أن هذا السؤال جوابه فقط عند المؤمنين بالله ولا سبيل لمعرفة الجواب إلا من خلال أن يخبرنا الله عن السبب ..؟

لكن كان من الأجمل برأيي لو أن الدكتور بين ايضا أن جواب هذا السؤال غير مرتبط بدليل اثبات وجود الخالق

بمعنى عدم معرفتنا بسبب وجودنا والحكمة من خلقنا لا يصح أن تكون سببا في إنكار وجود خالق

الذي يلحد بسبب أنه لا يعرف لماذا خلقه الله فهذا في تفكيره خلل

ومثله كمثل شخص وجد جهازاً غريبا فيه 3 أزرار وفكر في فائدة وجود الأزرار الثلاثة وبعد تفكير عميق لما يستطع أن يعرف حكمة من وجودها أو تقرر له قطعاً أنها أزرار عبثية لا فائدة منها

فبناء على ذلك أنكر وجود صانع لهذا الجهاز

فهذا بناء خاطئ وخلل في التفكير

اكتفي بما سبق وعذراً على الإطالة

محبتي

بالنسبة لاحتمالية وجود أكثر من خالق أقول:

تصور التعددية في الآلهة أو في أي شيئ مبني على وجود اختلاف ما بين هذه الأشياء التي يتصور تعددها فمثلا إذا تصورت وجود قلمين فإنه لا بد لأحدهما أن يكون مغايرا للآخر في شيئ ما و إذا كانا متطابقان تماما في الصورة و اللون إلخ فإنهما لا بد و أن يختلفا في شيئ آخر كالمكان أما إذا تطابقا في كل شيئ حتى زمان و مكان الوجود فإن التعدد لن يكون متصورا أصلا بل سيكون هناك قلم واحد لا أكثر و إذا طبقت هذه الفكرة على تعدد الآلهة فإنك ستجد أن فرضية وجود أكثر من إله تقتضي وجود اختلاف بينها في شيء من الصفات، و بالنسبة لصفات الإله فإننا لا نستطيع إثبات شيء منها إلا ما ثبت بالعقل (العلم و القدرة مثلا) أو الدين (بالنسبة لنا كمؤمنين ) فبما أنه لا يمكن إضافة صفة جديدة أو اختلاف ما بين الإله الأول و الثاني حسب افتراضك فإنه لا يمكن تصور وجود اثنين إذ ليس هناك اختلاف حتى يتصور التعدد (إنما هو إله واحد فإياي فَاتَّقُون)

إذا لم تكن إجابتي واضحة فسأكون سعيدا بمعرفة ذلك و صياغتها من جديد إن شئتم

---

(وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال، له دعوة الحق)