( 1 )

أثناء حرب فييتنـام ، كان هناك جندي أمريكي يعمل كمسعف طبّي وقت الحرب ، وكانت وظيفته واضحة :

 لملمة الأشلاء .. وعلاج الجروح غير القابلة للعلاج .. وبتر الأطراف .. بل والقتل الرحيم للجنود الذين يعانون ، ولا يُرجى لهم شفاءً من معاناتهم ..

لم يكن يواجه سوى الموت المطلق طوال الوقت .. فقد معنى الحياة بالكامل .. ولم يكن حتى وقتها يبدو أن هناك فرصة له للعمل بوظيفة مرموقة عندما يعود الى أمريكا ..

خصوصاً في تلك الفترة التي كانت امريكا تعلن انها يستحيل ان تستسلم او تنسحب ..

 فقرر الإنتحار .. وكانت الفكرة سهلة للغاية له ، كونه أصلاً يرى الموت طوال الوقت من حوله .. فقال أنه بدلاً أن يتلقى رصاصة ، أو تُقطع رأسه في حرب هو يرفضها من البداية ، فالإنتحار أفضل ..

 في أحد الأيام انتهى من نوبته ، ثم ارتدى ملابس البحر وقرر ان يسبح في المحيط حتى تخر قواه ثم يستسلم للغرق بعيداً عن كل هذه الفوضى .. وهذا ما فعله ، وانطلق في المحيط بعيداً عن الشاطئ حتى كاد الشاطئ ان يختفي عن نظره ..

في هذه اللحظة بالضبط - كما يقول في مذكراته لاحقاً - ، قال لنفسه : ما هذه الحماقة التي أفعلها ..

 ثم استدار ، وعاد الى الشاطئ مرة أخرى ..

=======

( 2 )

هذا الشخص تحديداً هو كريغ فينتر ..

واحد من أهم وأشهر العلماء البيولوجيين الأمريكيين المعاصرين على الإطلاق ، الذي ساهم بشكل كبير في اكتشاف وتطوير البحث عن ( الجينوم البشري ) .. ويعد من أشهر رجال الاعمال الثرياء في المجال العلمي أيضاً .. ولديه مساهمات علمية عظيمة ، جعلته واحداً من أقوى الرجال تأثيراً في العامين 2007 و 2008 ..

هو نفسه يقول في كتاب يروي مذكراته أن الإنتحار بالنسبة له كان حتمياً لأن الحياة ( فقدت معناها ) .. وأن الظلام كان يعم كل شيء .. وان المستقبل بالنسبة له لم يكن مهماً بالأساس .. هو فقط كان يريد الرحيل ..

ولكنه - في المحيط - قال لنفسه ما معناه : لماذا لا أكمل الحكاية ، وأستمر لأرى نهايتها ..

** المصدر : كتاب ( حرب الجينوم ، كيف حاول كريغ فينتر الإمساك بشفرة الحياة وإنقاذ العالم )

=========

( 3 )

أينما تولّي وجهك الآن ، ستجد الألم .. الفقر .. المرض .. العنوسة .. البطالة .. الخوف من المستقبل .. الغلاء .. الحرب .. الفتنة .. انقلاب المعايير ، الفشل ، المجتمع البائس ، والشراسة والوحشية طول الوقت ..

الحياة أصبحت صعبة .. منذ أيام قرأت لأحد الأشخاص الافتراضيين على الفيسبوك انه حاول الانتحار ولكنه ( فشل ) في الانتحار .. تصفّحت التعليقات ، فوجدت أن معظم المُعلّقين ( يشرحون له كيفية الانتحار بشكل صحيح ) ! .. هكذا ، وبمنتهى البساطة وبشكل خالي تماماً من المزاح ..

لو جرؤ شخص واحد منا ان يقول أن الحياة ليست بهذا التعقيد .. وأن الحياة جيدة .. وتكلمنا عن الإرادة ، وقوة الإيمان .. وتجاهلنا أن البعض - أو الكثير - يعيش في جحيم حقيقي .. فهو كلام بلا أية قيمة على الإطلاق..

لكن ما أريد أن أقوله سريعاً هنا ، انه أحياناً تصل الحياة الى مرحلة تصبح كارهاً لها فعلاً .. ليس مجازاً .. وإنما تبدأ في مقتها ، وترى أن اللعبة خاسرة ولا جدوى من وراءها .. وأنك لم تعد تحتمل ..

في هذه اللحظات ، لو مررت بها .. أو تمر ، او ستمر .. فقط ذكّـر نفسك بأنك من الضروري ان تكمل الحكاية حتى النهاية لترى ..

ربما حكايتك تكون بعظمة حكاية كريغ فينتر ، أو ربما أعظم وأفضل ( ان شاء الله ) ..