هل ندمتَ يومًا على معرفة أحد؟

سؤال قد يبدو بسيطًا، لكنه يحمل في طيّاته أبعادًا إنسانية عميقة. فبين من يرى أن الاقتراب من الآخرين قد كلّفه خيبة، ومن يؤمن أن كل تجربة مهما كانت تضيف شيئًا لمعناه الإنساني، يبقى الاقتراب من الناس مجازفة لا يخوضها الجميع.

في واقعنا المعاصر، أصبحت الأحكام المسبقة تُطلق بسرعة، تُبنى أحيانًا على تصرف واحد، أو موقف عابر، أو حتى على ما يُشاع عن شخص ما دون أن نمنح أنفسنا فرصة الاقتراب والفهم. نحكم، ونصنف، ونبتعد، فنفقد بذلك احتمال اكتشاف جمال قد يكون خفيًّا خلف الحذر أو الصمت أو الاختلاف.

إن التجربة وحدها، لا الظن، هي ما يكشف لنا حقيقة الآخر. فكم من شخص ظننا أنه مغرور، فإذا هو خجول بطبعه؟ وكم من شخصية بدت لنا باردة، فوجدنا خلفها روحًا دافئة لكنها حذرة؟

الاقتراب لا يعني التورط، بقدر ما يعني الإنصاف. أن نمنح أنفسنا والآخرين فرصة للفهم. أن نُرجئ أحكامنا قليلًا، ونتحرى الحقيقة عبر الحوار، والملاحظة، والتجربة. لأننا دون ذلك نكوّن صورة مشوهة لا تعكس الواقع، بل تعكس أفكارنا المسبقة وحدود تجاربنا.

نعم، قد نقترب ونُصاب بخيبة. لكننا أيضًا قد نقترب ونُبصر وجهًا من النُبل والإنسانية لم نكن لنعرفه لولا هذه الجرأة الصغيرة في كسر المسافة، فمن المؤسف أن نعيش على هامش العلاقات، نحكم من بعيد، ونندم لاحقًا حين نكتشف أننا فوّتنا معرفة أناس ربما كانوا سيحدثون فرقًا في حياتنا، فقط لو اقتربنا.