"تموت الأفعى إن لم تغير جلدها، وكذلك العقول التي لا تغير آراءها تتوقف عن كونها عقول"، هذه مقولة للفيلسوف فريدرك نيتشة، فهو يصف الأشخاص الذين لا يقومون باستبدال آراءهم كل فترة بأنهم بلا عقول، كما قال "أن الشخص الذي لا يقرأ لا يختلف عن الأمي"، وفي صدد استبدال الآراء تتعارض المواقف والحالات. 

هل هي تطور؟ 

عندما يشرع الإنسان في قراءة أول كتاب له، فإنه يقوم باستبدال عدد كبير من أفكاره، وكلما استغرق أكثر في قراءة الكتب كلما ارتفعت مهارات تفكيره، وأصبح أكثر ميلًا للتشكيك والمراجعة في أفكاره القديمة والجديدة، ما يجعله يغير آراءه باستمرار، بل إن الكثير من المثقفين وجدتهم لا يتورعون أن يصفوا أنفسهم بالحمقى عندما كانوا لا يقرأون. 

ما بين الجمالية والتشوه

إن الأفكار كالأجساد، لنفترض أن أحدهم ذهب لصالة الألعاب الرياضية واتبع نظامًا معينًا، فاشتد قوامه وصار أكثر جمالية، لكن هل كل الذين يمارسون الرياضة يكتسبون شكلًا جميلًا؟ في الواقع لا، فهناك من يفرطون في تضخيم العضلات، ويصبحون منفرين، ويفقدون جماليتهم، وهم في الفكر كالذي يتجرع كميات هائلة من المعلومات، ثم لا تكون لديه الفرصة في التأمل، والابتكار، واستنباط أفكاره، وتكوين رؤيته، والإفادة بما قرأ، ولقد تهكم شوبنهاور على شخص كان يُمتدح لأنه لا يترك القراءة حتى حين دخوله المرحاض، وهو يتسائل عن نصيب هذا الشخص من الإبداع الفكري، ويؤكد أن هؤلاء لا يضيفون جديدًا لغيرهم. 

هل هي انحراف؟ 

البعض الآخر يتطرف في التفكير، وهذا يكون بسبب استسهاله، فهو يقنع بأنصاف الكتب، ولا يريد أن يرهق نفسه بالمزيد، فيكون رؤى خرافية، منحرفة عن المنطق والمنهجية، بها طابع عدائي مصبوغ بأسلوب لبق ومفردات فواحة ومغرية، وهم كالذي لا يحب أن يواظب على التمرين، فيستعين بالحقن والهرمونات، ويصبح مشوهًا ومخيفًا، بل إن هؤلاء كان أفضل لهم أن لا يقرأوا ولا يغيروا شيئًا من آرائهم، وأن يبقوا كما هم.

بالتالي فإن كل من يتطور سيغير آراءه، لكن كل من غير آرائه لا يعني هذا أنه قد تطور، لأن النوع الثاني يكون كطبيب يجري عملية لمريض، فشق صدره ولم يكمل العملية، ثم تركه ورحل. 

فما هي الآراء التي كنت تتبناها وغيرتها؟ 

وهل شاهدت أحد الأشخاص المصابين بالتشوه؟