بين اليوتيوبيا و الدستوبيا ،كنت نتعايش مع متغيرات الواقع؟

إن القيم الأخلاقية لم تعد مرتبطة بفئة معينة أو مستوى إجتماعي مُعين، فأصبح من المعتاد أن تجد طبيب أو مهندس أو طالب جامعي يتحدث بألفاظ غير أخلاقية، والعكس صحيح من الممكن أن تجد سائق أو ميكانيكي محترم في سلوكه؛ من المعتاد أن تذهب إلى مكتب لقضاء مصلحة حكومية وتجد أمامك موظف يطلب منك المال بكل عين وأحقيه كأنه حق مكتسب؛ وفي المقابل قد تجد ضابط مرور يرفض الرشوة!

مع الأسف الطبقات الإجتماعية لم تعد معيار للأخلاق..

المعيار الحقيقي للأخلاق هو الشخص نفسه.

ما علينا فقط سوى محاولة الحفاظ على انفسنا من التلوث المبادئي والأخلاقي، وذلك من خلال وضع حدود التعامل بيننا وبين الأشخاص المختلفة أخلاقيًا عنا، والتعامل معهم بقدر المطلوب فقط؛ فكثرة المخالطة تجعلنا نرى الأمور الغير صحيحة عادية، وبالوقت سنعتاد ممارستها وكأنها أمر طبيعي.

هل ننعزل عن الناس و نحاول أن لا نسمح لهم بخدش قيمنا و أخلاقياتنا التي نشأنا عليها ؟

هل تستطيع الانعزال؟ طبعا لا، بغض النظر عن عملك وعلاقاتك الأسرية التي تفرض عليك التعامل مع شخصيات قد لاتطيقها، طبيعة الانسان المفطورة على التواصل لن تسمح لك بالانعزلة.

كيف نقلل من التأثير السلبي للآخرين علينا؟

أنت يجبب أن تقنع نفسك بأن لا تتأثر بكل التصرفات التي تحدث حولك، ما يحدث في الخارج هو أمر خارج مسؤوليتك، أنت لست مسؤول عن الميكانيكي ولا الشرطي ولا غيره من الفاسدين.

طبعا لا توجد حياة كاملة و لا يوجد عالم متناسق ،لكننا يمكن أن نحاول كبح جماح الآخرين من خلال بعض الممارسات

دعني أخبرك أن التصرفات الفاسدة أصبحت صفة ظاهرة في مجتمعاتنا العربية بسبب انهيار الأخلاق وتراجع الوعي الديني وقلة الوعي وانعدام الثقافة وما يشابهه، هل ترى أنك كفرد قادر على إصلاح كل هذا؟

نحن نعيش أزمة أخلاقية ومن المؤكد أن شخصا واحد أو حتى مئة شخص لن يكونوا كافيين لحلها.

هل ننعزل عن الناس و نحاول أن لا نسمح لهم بخدش قيمنا و أخلاقياتنا التي نشأنا عليها ؟

هذه هي طبيعة اختبار الحياة، فكيف لنا أن نهرب منها وننعزل عن الناس حتى لا تخدش قيمنا؟ ..

الاختبار الحقيقي أن ندخل المعترك وأن نخرج منه ونحن مازلنا محتفظين بقيمنا..وهو كلام يبدو سهلًا في كتابته ولكنه في الحقيقة وعند التنفيذ الواقعي غاية في الصعوبة بالطبع..

كيف نقلل من التأثير السلبي للآخرين علينا؟

بالاستعانة بالله، وبأن نحاول قدر الإمكان أن نحيط أنفسنا بمن يشبهوننا في القيم والأخلاق، فهم من سيدعمونا ويعينونا على تحمّل النوع الآخر من البشر..فدخول معترك الحياة لا يعني أن نتعمد الاختلاط بالسيء من البشر، ولكن يعني أن نصبر عليهم حين يظهروا في حياتنا ونثبت نحن على أخلاقنا..

وكذلك بألا نفرط في التفاؤل، إذ يجب أن نتوقع أن الحياة لن تكون وردية تمامًا، فهذا القدر من التشاؤم يحمينا من شر الصدمات..

الاخلاق والقيم نابعة عن الانسان من داخله ولا يمكن لاي شيء خارجي أن يعدل من القناعات الاساسية لدى الافراد.

أيضاً لو نظرنا للسياسات والاجراءات الصارمة من قبل بعض الحكومات والتي تعطي نتيجة كبيرة في الكثير من الدول، هذا لا يؤدي للانضباط100% لانه الالتزام لم يكن نابع عن قناعة من الفرد، بل بسبب الخوف من الغرامات وغيره من العقوبات.

وأيضاً بما يخص الفئات المجتمعية فكم واجهنا في حياتنا أشخاص مزارعين بسيطين جداً ولديهم علم ودراسة محدودة جداً ويتصفن بأرقى الاخلاق والقيم والمعاملة الرائعة.

ونجد أناس حملة لشهادات عليا ويعملون بمناصب مرموقة، ونجدهم ليس لديهم ضمير ويتلقون الرشاوي وغيرها من السلوكيات السلبية.

فستنزل لعالم سفلي من الميكانيكين و الذهاب و المجيء

الحقيقة يا رياض لم يعد هؤلاء هم أهل العالم السفلى. بصراحة لا أقتنع أن انخفاض المكانة الاجتماعية للشخص تعنى أنه سئ، ويجب تجنبه! بل على النقيض ألتقى أشخاصاً من أفضل العائلات، وأرقى المراتب ولا أتحمل البقاء جانبهم بل أشعر بالتقزز أحياناً من سوء ألفاظهم، وأفعالهم. فى أحيانٍ أخرى يجذبنى البسطاء بأخلاقهم، وجمال روحهم.

هل ننعزل عن الناس و نحاول أن لا نسمح لهم بخدش قيمنا و أخلاقياتنا التي نشأنا عليها ؟

لا أظن الأمر صحيح. فى رأيى الأمر يعتمد علينا، وعلى تمسكنا بمبادئنا. فإذا جمعتنا المواقف مع هؤلاء ذوى المبادئ المنافية لأخلاقنا تجدهم يتجنبون إظهار جانبهم السئ. لأننا نحن مَن نفرض شخصياتنا، ومبادئنا.

كيف نقلل من التأثير السلبي للآخرين علينا؟

بمراجعة مبادئنا كل فترة، ومراجعة الأهداف التى وضعناها من أجل تهذيب أنفسنا. القراءة، والإطلاع أيضاً تفيد حيث تنظف عقلك من المعتقدات الخاطئة. وأهم شئ هو القرب من الله الذى يمنحنا القوة ضد هؤلاء.

هل ننعزل عن الناس و نحاول أن لا نسمح لهم بخدش قيمنا و أخلاقياتنا التي نشأنا عليها ؟

كلنا سيؤثر السلامة والعافية الحادثة في الانعزال، ولكني سمعت مقولة لمستني، وهي 'أن من يخالط الناس ويصبر على آذاهم، خير مِن مَن لا يخالط الناس أصلا'! وقد تعالى:

وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [الفرقان:20].

وفتنةً أي اختبارًا.