شاهدت عدة مرات الفيلم الرائع Inception للمخرج كريستوفر نولان، إذا لم تكن شاهدته من قبل فهو يتحدث عن نوع خاص من العملاء يتم توظيفهم لاختراق عقل شخص ما، وذلك عن طريق الدخول في أحلامه واقتحام عقله الباطن بغرض إقناعه بتقسيم شركة عائلته العملاقة متوهما أنه هو من اختار هذا. قد تظن أن هذا الفيلم مجرد خيال علمي، وهو كذلك بالفعل، ولكن زراعة الأفكار نفسها ليست خيالا، بل ربما تتفاجأ عندما تعلم أنها تسمى في علم النفس "الإدارة عن بعد"!

يطلق مصطلح الإدارة عن بعد غالبا في علوم الإدارة بمعنى قيادة فريق العمل بدون التواجد في نفس المكان، ولكن ليس هذا هو المقصود هنا، الإدارة عن بعد هي استخدام وسائل التأثير على الأفراد والجماهير وقيادتهم بشكل غير مباشر عن طريق إقناعهم بأن قراراتهم نابعة من إرادتهم الحرة، في حين أن هذه الأفعال هي نتيجة لمسببات معينة يتم توجيهها للجمهور بشكل خفي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، فمن خلال توجيه معلومات معينة بطرق معينة يقوم الجمهور بإتخاذ إجراءات بناء على هذه المعلومات معتقدا أنه هو من اتخذ هذا القرار، ولذلك فهي تسمى الإدارة عن بعد، لأنك لا تقوم بتوجيه الشخص نحو الفعل بشكل مباشر، بل يأتي هذا الفعل كنتيجة نهائية لمجموعة من المسببات و المعلومات غير المباشرة التي تتحكم فيها أنت.

هناك اعتقادات خاطئة لدى كثير منا عن الإعلام سنذكر منها إثنين فقط، أولهما أن الإعلام ينقل الواقع، في الحقيقة إن الإعلام لم تكن مهمته يوما نقل الواقع بقدر ما كانت صناعة وتشكيل نظرتنا للواقع، فالإعلام لا ينقل لك الحدث مجرد، بل يشكله ويضيف عليه ويختار الكلمات المناسبة بما يجعلك تتبنى موقفا معينا أو تتخذ رد فعل معين، فهو هنا يتحكم في المعلومات التي تصلك عن الخبر وبالتالي يتحكم في رؤيتك للخبر.

الإعتقاد الخاطئ الثاني هو قولنا أن الإعلام هو القنوات التلفزيونية والصحف والمجلات، في الحقيقة إن هذ هو الجزء الأقل تأثيرا من الإعلام، فالإعلام المؤثر هو الدراما والأفلام والمسلسلات ووسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو، هذه الأشياء تمثل معظم مصادرنا للمعلومات والواقع، وبالتالي هي تشكل قراراتنا وتفاعلنا مع الواقع.

تعتبر الدرما من أقوى وسائل الإدارة عن بعد في العصر الحالي، ومن أبرز الأمثلة عليها عندما أرادت الولايات المتحدة الدخول في الحرب العالمية الثانية وكان الشعب رافضا للحرب، فتم إستخدام الدراما لإظهار النازيين على أنهم أكلي لحوم البشر وأنهم يقتلون الحيوانات ويحرقون الأراضي وتم تصويرهم على أنهم شياطين، وبعد مدة قصيرة طلب الشعب الأمريكي من الحكومة الدخول في الحرب!

هل وقعت يوما تحت تأثير الإدارة عن بعد؟ وهل تعتقد أن هناك مزيد من الاستراتيجيات التي يمكن استخدامها لتوجيه الأشخاص بكل غير مباشر؟؟