الإختيار هو نعمة نُحبذها دائمًا، ولكن ماذا لو كان الإختيار نقمة، وسيضعك في خانة الشعور بالذنب مهما كان الأمر الذي فضلته؟!

هذا تحديدًا ما شعرتُ به عندما شاهدتُ السؤال في أحد البرامج الإجتماعية التي تُناقش القضايا المختلفة التي تحتمل أراء نسبية مع عدة أشخاص، حيث تعتمد فكرة البرنامج على استفتاء رأي بين الأشخاص، ثم يتم فتح النقاش بين أصحاب الأراء المختلفة بهدف تأثير كل منهم على ألأخر بشرح قناعته له.

وكان السؤال في تلك الحلقة لديك طفل عمره 5 سنوات، أُصيب بمرض خبيث في حالة متأخرة ويعيش على الأجهزة الطبية ولا يتحرك، أجزم الأطباء ان المسألة مسألة وقت وسينتهي الأمر بوفاته، وأمامك خيارين .. اما تركه على الأجهزة حتى ينتهي الأمر، أو تطلب منهم فصل الأجهزة عنه لتُعجل بموته

انقسم 6 أشخاص إلى فئتين، 5 أشخاص قرروا أنهم سيطلبون فصل الأجهزة عن الطفل واسندوا رأيهم إلى مبدأ الرحمة حيث كانت نقطة الإتفاق أن المسألة مسألة وقت ووجود الطفل هكذا يتعذب هو أمر غير رحيم، وبإختيارهم تعجيل موته هم يرحمونه من العذاب الذي يشعر به بالعيش على الأجهزة

اما الوحيدة التي رفضت فصل الأجهزة، استندت إلى مبدأ الأمل فوجهة نظرها أنه حتى لو كان الأطباء يُجزمون بموته، فمازالت الروح فيه وهو ما يُعطيها الأمل بشفائه في أي لحظة.

تلك المعضلة من أقسى المعضلات الفكرية التي يقع فيها الأشخاص، حيث يكون إختيار بين أمرين .. أفضلهما، سيء

حيثُ يتحول الأمر من مجرد قرار إلى حالة تؤثر على حياة الشخص بأكمله، وتُصيبه بالحيرة والتشتُت، وتجعله يقف أمام الأمرين عاجزًا عن الإختيار بينهما، وقد يتطور الأمر إلى هواجس تجعل الشخص غير متوازنًا في نظرته إلى الأمور وبالتالي قد يُخطئ في قراره وهو ما يُصيبه بالندم، وما يُزيد الأمر سوءًا أن تلك المعضلة لا معايير لها ولا تحتمل صواب أو خطأ بل يُترك الإختيار فيها لتقدير كل شخص للموقف او الحالة التي يمر بها.

لو خيّرت بين قتل طفلك المريض أو تركه على أجهزة ما تبقى من عمره، أيُهما ستختار؟ وبشكل عام كيف يُمكنك الإختيار بين أمرين أكثر سوءًا من بعضهما؟