عندما يتمعن الإنسان فيما حوله من ظواهر ، يشعر في كثير من الأحيان بقوة الهية عظيمة تمده بيسر بعد عسر و بسكون بعد قلق و براحة بعد كثير من التعب .

و لكن لكي يطمئن قلب الإنسان ، لابد و أن يفهم ، إذ أمرنا الدين الحنيف بأن نفهم كل ما نرى و لا نقتنع بالأشياء كما هي ظاهرة ، إذ أن هذا الأسلوب يتناقض مع مبدأ إعمال العقل الذي يعد أساس قانون الخليقة و حكمة الله في الأرض .

و لكي تستشعر قيمة الصدق و الطاقة الايجابية لابد و أن تعيش الظاهرة بمفهومها السليم و ليس المغلوط كما يردد الجميع .

و عندما تنهمك في الفكر و تسرح بعيدا عن دنيا الغروب ، ستحمد الله على رزقنا بنعمة من أهم النعم في حياتنا ألا و هي " القلب الخاشع المحب الصادق"

القلب الذي تعلم أن يحب لكي يعطي و يحب كي يعمر الكون ، يحب حبا صادقا ليغير و يتفاءل و يشعر بالصدق.

و لم أعتقد قط بأن تلك العاطفة حين غرزت في الإنسان كان غرزها بمحض صدفة أو بجملة العواطف التي زرعت في عقل و قلب بني البشر ، و لكنها زرعت و اختصت بالذكر لحكمة بالغة أولها كانت "حبك لله" ثم حبك لرسله ثم حبك لأهلك و أصدقائك ثم حبك للدنيا كي تستطيع أن تواجهها بكل مآسيها و تحدياتها دون انسحاب ، حبك لأبنائك ، لزوجتك.  لعملك ، و الكثير و الكثير من أمور الدين و الدنيا .

و عندما خلق الله تلك العاطفة الصادقة ، وضع لها شروط كي تسير في المسار السليم دون تشويه ، و أمرنا أن نتبعها في كل سلوك في حياتنا، كما وصفها في القرآن بالمودة و هي أعلى درجات الحب و الرحمة ، فأمرنا أن نحبه فنراه في كل مكان و نشعر به في كل نفس و نلجأ اليه في كل اختبار ، أمرنا أن نحب ديننا  كي نصدقه و ننفذ كل تعاليمه برضا ، أن نحب الوالدين فنحسن لهم في كل نفس ، نحب الأصدقاء فنلخص لهم دون مقابل ، نحب الأبناء فنتحمل مشقة تربيتهم ، نحب أزواجنا فنتقي الله فيهم ، نحب عملنا فنزيد من الانتاج لخدمة الكون و هكذا  الكثير و الكثير ...

كذلك أمرنا أن نغلب عاطفة الحب على الكره و الغضب ، أمرنا أن ندفع بالتي هي أحسن ، أن نكظم الغيظ و نكف عن الأذى و نعفو عن الناس و نحسن لمن أساء إلينا و اعتبر ذاك مرتبة من مراتب الجهاد ، ووعد أصحابه بأعلى مراتب الجنة و بتغيير من السىء نتيجة لاحسانك له في الدنيا ..

و لكن عزيزي القارئ ، ترى أي حب هذا الذي يقصده المولى ؟ أيقصد حب المقابل ، حب تبادل المصالح ، حب المال الزائف ، حب الزوال ، حب العدم ؟!

كنت و مازلت و سأظل على يقين بأن الله تعالى لم يخلق شيئا عبثا ، و لم يجعل شيئا سيئا ، و لكن نحن من نسيء استخدام النعم و تفسيىر الظواهر .

عندما تحدث الله عن الحب ، تحدث عن الحب و العطاء الغير مشروط ،العطاء بلا انتظار مقابل و ذاك يقينا منه عز و جل أن ذاك العطاء الطاهر هو من سيدوم للأبد و سينمو كلما أعطيت أكثر و أكثر !

 فعندما أحب الله تعالى عباده ، أحبهم دون قيود أو شروط ، حتي ما أمرنا به من تعاليم كانت لصلاح أنفسنا و عدم اتباعنا اياها لن ينقص من الله شيء و الله غني عنها .

عندما أحبت الأم طفلها ، أحبته دون مقابل بل على  العكس ، كلما زاد عناؤه ، ازداد ارتباطها به و تلك هي معجزات الله حقا !

عندما أحببنا الأنبياء أحببناهم دون مقابل   فمكث حبهم في قلوبهم مهما مرت السنون و سيظل بإذن الله.

عندما أحب الانسان وطنه ، دافع عنه لآخر نقطة في دمه دون بخل أو قنوط و باع الدنيا آملا أن يحفر اسمه مع الصديقين و الشهداء.

هذا هو الحب الشريف .

لكن حدثني عزيزي عن هؤلاء الذين يحبون من أجل الأنانية !

الصديق الذي يحب صديقه لمصلحة فقط و عندما تمضي ينسى ثم ينسى حتى آخر دقيقة جمعت بينهم !

الرجل الذي يذهب لخطبة امرأة او المرأة التي تقبل زيجة من رجل لاستفادة ما من هذا العقد و الخروج بأكثر المكاسب دون رأفة و دون الإيمان بصدقزو طهارة الروح و توافقها و التضحية من أجلها , و عند أول ظرف تتناقض فيه المصالح , يذهب الآخر فيه بلا عودة ناسيا كل أشكال المودة و الرحمة التي حباها الله لهذا الميثاق الغليظ المقدس .

أي حب هذا لإنسان يعمل فقط من أجل مال أو جاه دون هدف بإرضاء الله و تحسين حال العمل و افادة من هم بعده .

أي حب لعلم هذا , الذي يجعل العالم يبخل بعلمه  على طلابه !

أي حب هذا الذي ينقلب لعداوة و بغضاء عند زوال المصلحة و تعارض الفكر !

أي حب هذا المغلوط , الغير مضبوط , الذي يقودنا إلى الموت !

هذا ليس حبا , بل يمكن اطلاق أي مسمى آخر على تلك الكلمه دون اكسابها ذاك المعنى السامي .

عزيزي, تعلم أن تطهر قلبك , و عندما تتطهر روحك ستنضج , فتشعر بقيمة و صدق تلك العاطفة فتسعد و تسعد غيرك.

فتعلم أن تحب بصدق , أن تحب حبا غير مشروط , حبا يظهر عند السكوت رغم امتلاكه لأعلى طبقة صوت ...