يا تُرى هل فكرت كم صدفة شكلت حياتك؟ كم مرة قلت "ياللصدفة!" وكم مرة حاولت أن تتذكر كيف آل الأمر لما هو عليه ولم تستطع؟ هل حياتنا ملكنا فعلًا؟ حياة الصدف؟

بدأت في الآونة الأخيرة أركز على ما يحدث لي، أشعر كأن هذا العالم محاكاة مليئة بالجلتشات، وال lazy writing، حول كم الأشياء التي ضيعتها وفجأة تجدها في أماكن غير متوقعة، أو كم حدثًا مستحيلًا تحقق؟

الصدفة تبدو لي كيد خفية ترشدنا لمصيرنا، أعتقد أول شيئ يمكنك أن تصفه بالصدفة هي ولادتك هذه، ربما أول إدراك منك لهذه الصدف قد يبدأ مع اكتشافك لوظيفة بعض أعضائك، أو ربما صدفة اكتشافك حقيقة ما، أو ما تعتقده حقيقة.

كنت تشاهد فيديو طبيعي فتقرأ إحدى التعليقات التي تشير لشيئ ما فتبحث عنه فتتغير حياتك، يتغير معتقدك، تتغير عواطفك وأولوياتك، هل حقًا نملك زمام أمورنا؟

لقد كنت دائمًا من مناصري حرية الإنسان، كما كنت دائمًا أرى روحًا عليا تربط الكائنات جميعًا، تبدو لنا عشوائية أحيانًا وأحيانًا مرتبة جدًا، ربما لأننا لا نرى الصورة كاملة ولكن كيف لنا أن نراها؟

ما هو الفن؟ ما هو الفن الحقيقي؟ أهو الفن المثالي حول ما يجب أن يكونه العالم؟ أم هو ما عليه العالم؟ أم هو أسوء ما فينا مضخم بميكرسكوب إلهي؟ وما هو ما عليه العالم؟ هل ما نعرفه نحن ونحن لا نعرف كل شيئ؟

البعض يتساءل لمَ أكتب بعض المواضيع المزعجة، لمَ أسأل أسئلة مزعجة، لمَ أكتب عن مواضيع مقززة، أليس هذا الواقع؟ أنا حتى لم أفكر في كتابة سيناريوهات كابوسية مما يأتي في أحلامنا، إنه فقط الواقع، الواقع أسوء بكثير من أسوء السيناريوهات التي نتخيلها، ربما خيالنا محدود فعلًا بما هو واقع، وربما هنالك عقل كوني يربط تجاربنا جميعًا معًا.

أعتقد أن الشر موجود منذ قديم الأزل، بل أعتقد أنه موجود معنا كبشر منذ اللحظة الأولى، كل أنواع الشر التي نراها حولنا، وإن كانت لا تورث جينيًا جيلًا وراء جيل، فهي تورث جماعيًا بين البشر جميعًا، فمنذ القديم يمكننا رؤية أسوء الأفعال موجودة، في أقاصي سيبريا أو الغابات الأسترالية، أليس أسوء ما نتخيله ببساطة نكتشف أنه واقع في عالمنا هذا؟ أذكر لي أسوء شيئ قد تتخيل أن يحدث يومًا ولم يحدث في هذا العالم، أنت في عالم يُغتصب فيه الأطفال! يوميًا!! صدقني يوميًا...

الحلقة الأخيرة من ريك أند مورتي عندما صُدم ريك مما رآه، وهي الصدمة الاولى التي نعرفها عليه، وعدم تحديد صناع المسلسل لما رآه، أعتقد أنه رأى العالم على حقيقته، أعتقد أن ذلك القط المتكلم ما هو إلا نحن، أعتقد أنه يمثل أسوء ما فينا، الفضول.. لا تسأل أسئلة، فالإجابات لن ترضيك، ولن تستطيع قتل ذلك القط المتكلم، لا يمكنك إلا تركه يذهب، لا يمكنك إلا محاولة النسيان، بعضنا ينسى وبعضنا يجب أن يتذكر طبيعة هذا العالم الذي لا يمكنه التغلب عليها.

ما هو الفن الحقيقي؟ هل هو ما يثير فيك المشاعر؟ وهذا ما يجعله يختلف عن بعض العلوم الجافة، لا أعتقد أن ١+١ تثير فيك المشاعر، إذن هل الفن الحقيقي المثالي هو القادر على أن يثير فيك أكبر قدر من المشاعر؟ أم هو القادر على مفاجئتك دائمًا.. يثير فيك باستمرار مشاعر عديدة، سيئة كانت أو جيدة.

أعتقد أن هذا العالم فن حقيقي، وهذا العالم حبكته الأساسية هي البؤس، لذا فالفن الحقيقي هو البؤس، وأقوى المشاعر هي المشاعر السلبية، الغضب، الخوف، الحزن، الإشمئزاز، وإلا لما كانت السمة الأساسية لحياتنا، والتي تجد دائمًا طريقها إلينا، مهما جمعنا من المال، تذكر كم عملًا فنيًا أثر فيك حقًا، كم فيلمًا أو لوحة أو كتابًا ما زلت تتذكره، واذكر لي ما سمته الأساسية؟ ما أكثر ما تتذكره؟ البؤس؟

الصدفة.. لا أدري صراحة معنًا لتلك الكلمة، كل خطوة اخطوها أشعر بأن هنالك "لا منطقية" أدت لتلك الخطوة، لمَ وصلت لذلك الفيلم المطمور؟ لمَ كتبت تلك المقالات؟

أعتقد أني وصلت لمرحلة لا أسأل فيها لمَ أنا حي، بل الغاية من هذا الكون، يمكنني تأليف نظريات حول لمَ أنا حي، ولكن لمَ هذه الحياة بهذه "اللغبطة"، لمَ هذه الصدف التي تكاد توجهنا في حياتنا؟

لا أتكلم عن مسلسل west world وحول إذا ما كنا آلات أم بشر، مخير أم مسير، لكني أتحدث عن هذا البؤس؟ يقول صناع المسلسل أن الدراما أفضل ما يبحث عنه "الضيوف" ولكني لا أدرك لم يبحث الضيوف عن ذلك، لمَ الحياة drama queen بهذا الشكل؟

دائمًا ما اعتقدت أن أكثر الناس بؤسًا لا هؤلاء الذين تعرضوا لحوادث بائسة أو خسارات فادحة، بل أولئك الذين يشعرون بهؤلاء، أولئك الذين يرون بؤس الآخرين ويشعرونه حقًا، لا أكاد أتذكر آخر مرة حزنت على فقدان شخص عزيز علي بقدر أكبر من حزني على من حوله، دائمًا أرى أن حزن من حوله أكبر من حزني، كلما أدركت مدى ضآلتي أدركت مدى تفاهة حزني، من أنا لأحزن على نفسي؟ أجد الحياة الحقيقية في التغذي على مشاعر البشر، أرى أن هذه الحياة تتغذى على بؤسنا، ومن أراد أن يفهم الحياة حقًا وجب عليه أن يجمع اكبر قدر من بؤس الآخرين..

ألم تفكر يومًا لمَ الصلوات الجماعية أفضل من الفردية؟ منذ بدء البشرية، ونحن نحاول دائمًا مشاركة الآخرين أحزاننا وأفرلحنا، بل أحزاننا نحتاج للآخرين فيها أكثر من أفراحنا، ونقول "من يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته" وندرك أن البؤس في هذا العالم أكبر مما نتخيل، فنصلي معًا لنتغلب على هذا البؤس، ونصل لأعلى درجات النشوة الروحية بين أعداد تصل لملايين من البشر، تتحد أرواحهم معًا ضد هذا البؤس، أملًا في الجن، في اللابؤس النهائي، نواجه البؤس الذي يربطنا دون إرادة منا بإرادتنا لمواجهته معًا.

صرختنا يوم أن نولد هي ما يجمعنا جميعًا، وصرختنا يوم أن نموت هي ما يفرقنا جميعًا، وبين هذا وذلك نحاول أن نتغلب على تلك الصرخة الكونية بصراخنا في وجهها أننا معًا، أننا لن نواجه ذلك البؤس منفردين.

الشر صدفة لا نتقبلها، والخير محاولة منا للترتيب هذه الفوضى، الفن الحقيقي هو ما يعرفنا على عدونا فعلًا، فيزيدنا إيمانًا ومحاولةً للقضاء على هذا البؤس، يزيدنا فهمًا لماهيته، فأكثر الأنبياء إخلاصًا كان أكثرهم شعورًا بذلك البؤس، وأدرك أن الوسيلة الوحيدة لمواجهته هي الوقوف معًا، فتخلى عن محاولاته الفردية واتجه للصلاة الجماعية.

وكان الإنسان أكثر شيئًا جدلا، الفن الحقيقي في الكتب السماوية كان البؤس، كيف صلب المسيح وكيف سينتصر مستقبلًا، كيف كان الأنبياء السابقين وكيف انتصروا، مدى معاناة البشر في القرآن الكريم وكيف يجب أن يواجهوا ذلك البؤس، معًا، هذا هو الفن الحقيقي، ذلك الذي يرينا مدى معاناتنا وبعد ذلك تأتي محاولة الإنتصار.

محاولة الإنتصار هي العقل وبؤسنا هو الفن، أريد أن تقرأ كتابك السماوي، أن تقرأ آياته، وترى أيها أكثر إثارة لمشاعرك، أترى البؤس؟ اقرأ حلول كتابك المقدس، أترى العقل؟ أترى كيف تطغى المشاعر في آيات وكيف تختفي في أخرى؟ أترى كيف يمزج ببراعة بين العقل والعاطفة؟ يمزج البؤس بالحل؟ فتكاد لا تجد آية إلا وحركت مشاعرك حتى وإن كانت تخاطب عقلك؟

ربما يكون الفن الحقيقي هو الفن القادر على إظهار البؤس الأكبر، ويفاجئك به دائمًا، ولكني أرى أيضًا أنه لا فن حقيقي واحد، بل أنواع، منها ذلك الذي يريك البؤس ويعطيك الأمل، هذا هو الفن الإنساني، وإن كان الفن المطلق هو البائس الذي لا يعطيك أملًا، فهذه الحياة، ونحن من نبحث فيها عن الأمل.

كتبت هذا الموضوع وأنا مريض بالإنفلونزا، لذا قد يكون هنالك بعض الأخطاء أو غموض في الموضوع، لا أدري لمَ كتبته بعد مشاهدة ذلك الفيلم البائس، ولكني شعرت أني في حاجة لكتابته، ربما هذا يقودني لمكان ما...