باختصار: نظرية التطور تقول إن هناك تدرجا, لكن لا دليل عليه في الأحافير.. إذا نخترع مصطلحا جديدا.. Punctuated equilibrium (:

تفترض نظرية دارون ان الانواع المتشابهه لها نفس الأصل الذي انحدرت منه, وصار الاختلاف بفعل الطفرات التدريجية على مر ملايين السنين بعد تشعب الانواع المختلفة,

لكن هناك اسئلة كثيرة تحرج نظرية دارون مثل ظهور الانواع بشكل فجائي كما حصل في الانفجار الكامبري و غياب المراحل الانتقالية بين الانواع و امور فلسفية اخرى تتعلق بكيفية تعريف النوع, اذ اننا لا نعرف متى يصبح النوع نوعاً اخر, لكن يبقى موضوع او سؤال مهم جدا لطالما تخبط الدراونة في اجابته, و هو:

اذا كان التشابه في الصفات أو الجينات يدل على التشارك في نفس المسار التطوري, او بمعنى اخر التشارك بنفس السلف, فلماذا تتشارك انواع ليس لها نفس السلف بنفس الصفات ؟

هل يعني هذا أن التطور قد تكرر بنفس الطريقة مرتين او اكثر ؟!

هل يعني ان التطور يتبع نهجا معينا وليس عشوائيا ؟

لماذا يتشابه نوعان ليس لهما نفس الاصل بنفس الصفات الحديثة تطوريا ؟

التطوريين كعادتهم يستطيعون ان يقدموا الحلول , فكما قدموا اعذار فرضية للانفجار الكامبري و غياب الانواع الانتقالية, كانوا ايضا قادرين على تقديم الحل السحري لهذه المشكلة و لذلك قدموا لنا "التطور المتقارب او convergent evolution" ليكون بمثابة التطور رقم 2 الذي يعمل فقط عندما لا ينجح التطور رقم 1 الذي يفترض اصل مشترك

التطور المتقارب يعرف كالتالي (مرجع 1):

"independent appearance of the same trait in different lineages".

اذن هو تطور لنفس الصفات في انواع لا تتشارك بنفس الاصل او المسار التطوري مع العلم ان هذه الصفة لم تكن موجودة في السلف القديم الذي كان يربط هذه الانواع قبل ان تنفصل اسلافها تطوريا, اي انها صفات جديدة و عملية انتاجها من جديد تعني أن مجموعة الاحداث العشوائية و الطفرات التي خلقتها اول مرة قد تكررت اكثر من مرة او ربما جاءت بجينات او اعضاء اخرى لتقوم بنفس الوظيفة, و تفسيرهم لذلك ان الانواع التي تمر بنفس الظروف البيئية و الحيوية تتعرض لانتخابات متشابهة مما يجعلها تنتهي بنفس الحلول و مثال على ذلك هو القدرة على الطيران عند الطيور و الحشرات و الخفاش كحيوان ثديي, فجميعهم من اصول تطورية مختلفة و مع ذلك فقد نجحوا في الاتيان بنفس الحل و هو القدرة على الطيران مع وجود اختلافات في الاعضاء التي تقوم بالطيران فجناح الخفاش يختلف عضويا عن جناح الطيور و عن جناح الحشرات

ربما هذا التفسير ينجح في هذه الامثلة لانها بالنهاية جاءت بنفس الحل باستخدام جينات و اعضاء مختلفة و ان كان هذا يناقض منطق التطور العشوائي, لكن ماذا ان كانت الوظيفة تتم بتركيبات و جينات متشابهة ؟

هل هناك تفسير لماذا مثلا اعين شعبة اللاسعات مثل قنديل البحر و اعين الفقاريات مثل الثدييات كلاهما يعملون بنفس البنيات الجينية (مرجع 2) ؟ كلاهما يمتلكون عين كاميرا تعمل بنفس المبدأ :مستقبلات ضوئية و صبغة معتمة و عدسة ببروتين كرستالين

عين قنديل البحر هي من نوع عيون الكاميرا التي تمتلك قرنية و عدسة و شبكية و تعتبر من اول الانواع التي ظهر فيها هذا النوع من الاعين كما يقول الدارونيون, و الغريب ان المستقبلات الضوئية هي من نفس نوع مستقبلات الضوء عند الثديات "مستقبلات ضوء هدبية" (منوه اليه في مرجع 2)

"The cubozoan retina has ciliated PRCs that are typical for vertebrate eyes"

قناديل البحر لها 24 عين و المجال النظري لكل عين يتداخل مع اخرى لذلك فهو يستطيع ان يرى كل ما حوله و الغريب ان المكونات و البنيات الجينية ( سيلياري أوبسن و الميلانوجنك باثواي) هي نفس البنيات الجينية في الثدييات مع العلم ان اخر واقدم سلف مشترك بين هذه الشعبتين لم تمتلك عين كاميرا, هناك تفسيران:

ان التشابه نتيجة وجود اصل او سلف مشترك

التشابه هو نتيجة اصول مختلفة و منفصلة و وصف على انه التفسير الافضل (مرجع 2)

"Although our findings of unsuspected parallelism are consistent with either an independent origin or common ancestry of cubozoan and vertebrate eyes, we believe the present data favor the former alternative".

هذا التشابه وصف بانه غير متوقع unsuspected parallelism فكيف يستخدم المنطق الداروني لتفسير إتيان نوعين مختلفين من طوائف مختلفة جدا بنفس الحل بل و بنفس الالية الجينية ؟

نحن نتحدث هنا عن عين كاميرا علاوة على انها معقدة جدا و متقدمة و فيها ما يكفي من التصميم المتقدم على كاميرات كثيرة في عصورنا الحديثة,

انها ايضا قد تكونت اكثر مرة و انتهت بنفس التركيب الجيني.

ان كلا الشعبتين (اللاسعات و الفقاريات) لها عدسات خلوية لتزيد من تركيز الصورة في العين و اعطائها حساسية اعلى, البروتين المسؤول عن الخواص في العدسة هو الكرستالين, المميز هو ان البروتين الذي يقوم بدور الكرستالين يختلف من نوع لنوع . جينات الكرستالين في اللاسعات و الفقاريات غير متشابهة كما هو الحال بين الانواع الاخرى و لكن الجينات التي تعمل على تنظيم نسخ و ترجمة هذه الجينات و هي من نوع Pax متشابهة بين الشعبتين, و هو ما جعل التفسير الثاني (التطور المتقارب) هو المسؤول عن "جلب" هذه الجينات المتشابهة و ليس الاصل المشترك, و هو كما وصف يعتبر مثال مفاجيء على دور التطور المتقارب بتطور العين

الدارونيون يدعون ان التطور المتقارب هو نتيجة لكون الحلول محدودة و هناك حل بسيط دائما لاي مشكلة (مرجع 1) , و الاتيان به يصبح متوقع اذ لا بديل له , اي ان تطور عين الكاميرا مرتين او اكثر هو نتيجة حتمية لانها ابسط حل يمكن التحصل عليه .

بذلك يكون التطور المتقارب هو الجواب على كل ما يعارض التطور بمفهومه العام, بمعنى اخر هو مزبلة التطور, اذا لم تفهم كيف حصل ذلك فهو اذن بسبب التطور المتقارب. و الان لا يمكنك ان تدحض التطور فان لم يتشارك نوعان بنفس الاصل و تشاركوا بنفس الصفات و الاليات فهو مازال متوقع ليس بناءا على نظرية التطور الاولى بل الثانية,

من منظور مادي, اي تفسير يتجنب وجود المصمم مقبول , يمكنك ان تتخيل او تحلم كما تشاء , يمكنك ان تقول ان هناك اكوان متعددة و هناك طريقة يتحول بها المادة الغير عاقلة الى عاقلة دون ان تعطي ادلة او اي تفسير, لك ان تتخيل كما تشاء لكن لا تتجرأ و تقول ان عينك مصممة, حينها ستوصف بالمنغلق وصاحب العلم الزائف و اللاهث خلف الكتب الدينية.

الحقيقة ان من يسعى للوصول الى نتيجة يقررها هو سلفا، او ان يستثني احتمالا لانه لايناسب فلسفته المادية من الطبيعي ان يستخدم مثل هذه الاساليب الدفاعية و سبيله الوحيد ليساند هرطقاته التي يرى انها غير معقولة و غير مقبولة و منفرة للعامة و حتى لبعض الملحدين الذين بدأوا يشككون في دارون (راجع مثلا كتاب: Jerry Fodor and Massimo; What Darwin Got Wrong).

لماذا لا يكون هذا الدليل مثله مثل غيره من الادلة: الانفجار الكامبري و غياب المراحل الانتقالية للانواع في السجل الاحفوري وكاف لاستنتاج ان ابسط تفسير هو وجود مصمم .

ان المصمم الذكي هو ضرورة منطقية بسيطة لتفسير الذكاء و التنوع الحيوي, المصمم "كما نفهمه من تجربتنا في الحياة" قادر على استخدام اليات جينية و وظيفية متشابهة في انواع متشابهة او مختلفة مثل استخدامنا لنفس القطع في الات مختلفة لتقوم بنفس المهمة او ربما مهمة مختلفة بغض النظر هذه الالات تشبه بعضها شكلا او وظيفة او لا تشبه (مرجع 3), اننا نشاهد امثلة حية من حياتنا اليومية على الطريقة التي يعمل بها التصميم و الغريب انها تشبه تصاميم موجودة في الحياة حولنا.

من حق الحاسوب الذي يعمل باللمس ان يدعي ان اصله كان جهاز خلوي تطور مع الزمن الى فابلت ثم تابلت ثم لابتوب و اصبح كمبيوترعادي ثم كمبيوتر لمس , لاننا عندما نساله لماذا تمتلك بعض الاجهزة الخلوية تاتش سكرين مع ان سلفك اللابتوب وكمبيوتر الفأرة لا يمتلكها, نعم اننا نعرف الجواب الان , انه التطور المتقارب.

مرجع 1
Christin P-A, Weinreich DM, Besnard G; Causes and evolutionary significance of genetic convergence; Trends Genet 2010, 26:400-405

مرجع 2
Zbynek Kozmik et al; Assembly of the cnidarian camera-type eye from vertebrate-like components; PNAS 2008 105 (26) 8989-8993; published ahead of print June 24, 2008,      doi:10.1073/pnas.0800388105

مرجع 3
Stephen C. Meyer, "The Cambrian Information Explosion," in Debating Design, p. 388; William A. Dembski and Michael W. Ruse eds., Cambridge University Press, 2004