استيقظ العالم في عام 1765 على صوت هدير محركات الآلة البخارية مؤذنة بانطلاق الثورة الصناعية من بريطانيا سيدة العالم التي بدأ الشيب يغزو مفرق رأسها. وبعد عشر سنوات انفصلت المستعمرات الأمريكية عن التاج البريطاني لتشكِّل الولايات المتحدة الأمريكية، ويعلن ملك إنجلترا "جورج الثالث" أن: "لا شيء ذو أهمية حدث اليوم".

وفي عام 1899 نُسب إلى مفوِّض الولايات المتحدة لبراءات الاختراع "تشارلز إتش" أنه قال: "كل شيء يمكن اختراعه قد تمَّ اختراعه بالفعل". وفي عام 2011 أعلن "فينت سيرف" نائب الرئيس في شركة "جوجل"، والملقب بأبي الإنترنت لإسهاماته الفاعلة في تأسيس وتطوير الشبكة العنكبوتية بأن: "الفيسبوك سيتوقف عن جذب المتابعين".

وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها معلنة بزوغ الولايات المتحدة كقوة عظمى على الساحة الدولية وبسرعة هائلة قفزت إلى موقع الصدارة والقيادة كأقوى وأغنى دول العالم وظهر زيف مقولة "جورج الثالث". وقُدِّر لنا أن نعيش في زمن تفجير الذرة ورحلات المجرَّة، وبلغنا خبر فك الشفرة الوراثية واكتشاف تركيب الأحماض النووية، وصار بالإمكان تناول العشاء بجانب تمثال الحرية والإفطار في برج إيفل بفضل الطائرات التي اختزلت المسافات، وكنا شهودًا على الحواسيب الشخصية والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والروبوتات الآلية، وبالتأكيد لن نجرؤ على ترديد دعوى "إتش" المتسرعة، فجعبة المستقبل لم تخرج جميع اختراعاتها ولم تبح بكامل أسرارها. أما "فيسبوك" فقد تضاعف عدد مستخدميه النشطين من 845 مليونًا مع نهاية عام 2011 إلى مليار و393 مليونًا مع نهاية عام 2014، ويبدو أن توقعات أبي الإنترنت لم تجد لها رصيدًا في عالم الواقع حتى الآن.

العبارات التي ذكرت آنفًا أطلقها خبراء في مجالاتهم وصدقها الناس ردحًا من الزمن قبل أن يكتشفوا سخافتها وتفاهتها، لكن العجيب الغريب أننا مع تباشير كل صباح نطلق عبارات لا تقل سذاجة عن الاستدلالات والاستنتاجات السابقة:

• لا فائدة، مهما فعلت فلن أنجح لأن الحياة ضدي؛

• من المستحيل أن أجد عملاً أفضل، فالفرص شحيحة؛

• أستاذي سبب فشلي في الدراسة؛

• حكم المباراة سبب خسارة الفريق الذي أشجعه؛

• أهلي سبب تعاستي وحجر العثرة في طريق نجاحي.

إنها العبارات التي يستخدمها الفاشلون ليبرروا إخفاقهم وكسلهم، فهذه العبارات لها مفعول الإبر المخدرة لأن قائلها يعيش في وهم خادع وحياة زائفة متخفِّفًا من أحمال وأثقال مسؤولية تغيير حاله وتحسين وضعه، فهو لا يملك إلا لعب دور الضحية الذي يسير به النهر إلى حافة الشلال دون أن يحرك ساكنًا، ينتظر أن تجود عليه السماء بالمعجزات وتمدُّه بالأعطيات.

لن أكون مغرقًا في المثالية وأطالبك بتجاهل أثر البيئة الخارجية في نجاحك وفشلك، تقدُّمك وتراجعك، رسوخك وترنُّحك، فلا يكفي أن تكون البذرة قوية حتى تزهر الثمر، بل تحتاج إلى الماء والضوء والتربة المناسبة، فالجوافة تحتمل التربة المالحة، أما الموز فشديد الحساسية للملوحة. غير أن جذور النبات لا تستطيع مغادرة تربتها، أما الإنسان فيملك مصيره ويقدر على تحديد ما يريد وأن يفل الحديد بما يجيد، بدل أن يقضي حياته معاتبًا القدر ومنتظرًا نزول المطر.

فقدت "هيلين كيلر" السمع والبصر في المهد ولم يمنعها ذلك من تعلم اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية واليونانية واللاتينية، ونشرت ثمانية عشر كتابًا، ونالت جائزة نوبل في الآداب. وأصبح "ستيفن جنز" أول مصاب بمتلازمة "داون" يشق طريق النجومية في عالم السينما. وتحوَّل "جارنشيا" بفضل الإرادة من طفل يعاني تشوُّهًا في عموده الفقري وتقوسًا في ساقيه إلى أحد أعظم لاعبي كرة القدم في تاريخ الساحرة المستديرة، بل وهداف مونديال تشيلي عام 1962.

أنت مسؤول عن سعادتك وتعاستك، والله لا يساعد إلا أولئك الذين يساعدون أنفسهم، وفي اللحظة التي تملأ هذه الفكرة جنباتك وتسري كالكهرباء في ذرَّاتك، ستشمِّر عن ساعدي الجدِّ لتبدأ العمل، وعندها تكون قد خطوت خطواتك الأولى في طريق النجاح. أما دون ذلك فانتظر خاتم سليمان ومصباح علاء الدين، وحتى ذلك الوقت ستعاني خيبات الفشل وستقنع نفسك بأن الحياة ومن فيها ضدك وستصبح أبًا لمئات الأعذار.

بقلم: أمجد نصر الله

المصدر