في هذا العالم المليء بالأحكام السريعة، قد يُؤخذ التواضع على أنه ضعف، تفسر الثقة بالنفس على أنها غرور، فنجد أنفسنا نحاول جاهدين أن نوازن بين أن نُظهر ما فينا من قوة وتميز، وبين أن نبقى قريبين من البساطة والتواضع، رغم أننا لسنا بحاجة إلى إخفاء نورنا خوفًا من أن نبدو متعالين، ولا إلى كتم صوتنا حتى لا نُتهم بالغرور. التوازن الحقيقي ربما يكمن في الصدق مع النفس، وفي أن نعبّر عن ذواتنا بإيمان، لا بتفاخر، وأن نحترم الآخرين دون أن نقلل من أنفسنا. شاركونا كيف تحققون هذا التوازن بين التواضع والثقة بالنفس في حياتكم اليومية؟
التواضع الزائد يُؤخذ ضعفًا، والثقة توصف غرورًا، فكيف يمكننا تحقيق التوازن؟؟
في زمن أصبحت فيه الأحكام تُطلق قبل أن تُكتمل الجمل، يصبح التوازن بين التواضع والثقة رحلة لا وصفة جاهزة. أؤمن أن الثقة الحقيقية لا تحتاج إلى رفع الصوت، وأن التواضع لا يعني تقليلًا من الذات، بل وعيًا عميقًا بها.
أحاول أن أكون صادقة مع نفسي أولًا، أن أعرف ما أستحق، دون أن أنتظر تصفيقًا أو تخفيضًا لقيمتي كي أبدو "متواضعة". أتعلم أن أقول "أنا أستطيع" دون أن أشرح لماذا، وأن أحتفل بإنجازي دون أن أعتذر عنه.
لكنني أُخطئ أحيانًا، أصمت خوفًا من أن أبدو مغرورة، أو أتواضع لدرجة أن أنكر ذاتي. وهنا أعود لأذكر نفسي: "النية" هي الفارق. إن كانت نيتي أن أكون صادقة، أن أُعبّر دون أن أتفاخر، وأن أُقدّر دون أن أتعالى، فأنا على الطريق الصحيح.
أعجبني ما كتبته جدًا، وسؤالي لكِ: هل وجدتِ يومًا نفسك تقلّلين من إنجازك حتى لا يُساء فهمك؟ وكيف تتصرفين حين يحدث ذلك؟
صراحة نعم، أحيانًا في التجمعات العائلية عندما يتم مدحي بأي شكل، أجد نفسي أحاول التقليل من قيمة ما أنجزته ليس فقط بدافع التواضع، لكن أيضًا حتى لا يساء فهمي أو يُنظر إلي كأنني أتباهى أو أُحرج أحدًا، أحيانًا أشعر وكأن الفرح بإنجازي لا بد أن يكون على استحياء، وكأن التعبير عنه بصوت عالي قد يزعج الآخرين وهذا ما يحدث أحيانًا، لكن بدأت أدرب نفسي مؤخرًا على تقبل الثناء بابتسامة وامتنان، وأذكر نفسي أن الاعتراف بالنجاح لا يعني الغرور، بل احترام للتعب الذي بذلته.
لماذا نحن نهتم الى هذا الحد بما يقال عنا من الأساس؟ فإذا قمت بتحقيق انجاز وسألني عنه أحد فتحدثت عنه بفخر وظن من في التجمع أنني كنت أبالغ أو أنني اتباهى وما شابه فلماذا أكترث أصلا؟ طالما أنني أعلم من نفسي أنني لا أتباهى زيادة عن اللزوم ولا أتحدث عن الموضوع من فراغ بل أرد على من استفسر فقط ولا أختلق امور لم تحدث فأين التباهي والغرور؟
صراحة نعم، أحيانًا في التجمعات العائلية عندما يتم مدحي بأي شكل، أجد نفسي أحاول التقليل من قيمة ما أنجزته ليس فقط بدافع التواضع، لكن أيضًا حتى لا يساء فهمي أو يُنظر إلي كأنني أتباهى أو أُحرج أحدًا،
أعتقد أن هذا خطأ منك يا بسمة. أعتقد أن معظمنا وأنا قد وقعنا فيه. أتذكر هنا كلمة للعقاد ما زالت تعلق في ذاكراتي حينما قال: إن التواضع الكاذب يُفضي إلى ثناء أكذب. هذه جميلة عميقة جدًا وقد عرفها العقاد وأعطى نفسه حقها من تقديرها. فإذا كان يؤمن ويعتقد أنه يستحق شيئاً ما ثم يتواضع تواضعًا كذابًا بأنه لا يستحقه فإن الناس ستثني عليه لهذا التواضع المكذوب وهذا الثناء لن يكون له محل من الإعراب لانه ليس في موضعه قطعًا. وهنا أتذكر قول أبو العلاء المعري حينما قال في إحد لزومياته:
فلا تمدحاني بميْن الثناء...... فأحسن من ذلك أن تهجواني
أي لا تمدحونني بكاذب المدح لأن ذلك يُفضي إلى تواضع أكذب مني ولكن الافضل ان تهجواني فالهجاء قد يعبر عن صدق الشفات في وصدق الشعور لدى الشخص الذي يهجي.
عن نفسي أنا مكلف بالتواضع، وهذا لا يتعارض مع كوني واثق من نفسي تمام الثقة لذلك لن يشكل أمر التوازن فارق بالنسبة لي، ثم ما خصني أنا بكون هذا يؤخذ ضعف أو يؤخذ غرور طالما هو من حكم الناس ؟!
من عاش لمرضاة الناس مرض ومن عاش لمرضاة الله نجى، وهو كلفنا بالتواضع وبعظم الشأن وعلو الهمة وهذا ما أسعى له، لا يهمني أن رأي فولان أنني متواضع أو ضعيف أو مغرور المهم كيف أرى أنا نفسي وكيف يراني الله
لكن أحيانًا حتى لو كنا واثقين من أنفسنا ومتصالحين تمامًا مع مبادئنا، يتعين علينا في بعض المواقف مراعاة مشاعر الآخرين لأننا لا نعيش في فقاعة، صحيح أن حكم الناس ليس مقياسًا، ولا يجب أن نُسخر حياتنا لإرضائهم، لكن التعامل بلطف وذكاء عاطفي لا يتعارض مع الثقة بالنفس، بل يعكس نضجًا ومرونة، فأحيانًا كلمة بسيطة أو تصرف محسوب يجنبنا إحراج أحد أو يزرع أثر طيب، وهذا لا ينقص من قيمتنا أبدًا بل يزيدها.
ولكن ثقتي بنفسي مع التواضع ما شأنها أن تزعج أحد أو كيف تسبب له إحراج من الأساس، أنا لست مطالب للتكيف مع مشاعر الآخرين لهذا الحد
شاركونا كيف تحققون هذا التوازن بين التواضع والثقة بالنفس في حياتكم اليومية؟
ما تعلمته بالخبرة هو أن أضع حدودًا فيمن لا يقدر من أمامه. بمعنى لا أتبسط من يفهم أن تبسطي معه غض من قيمتي. لأن هناك أناس يا بسمة وضعيي النفوس لا يقدرون الناس حق قدرهم ولا ينزلونهم حق منازلهم. هم همج أو نفوسهم ملتوية فيلزم أن نضع حدودًا من البداية. أما التواضع فلابد أن يكون تواضع صادق بمعنى لا أقول أنا لا أستحق هذا الشيئ وأنا أشعر في خصيصة نفسي اني أستحقه وعن جداره. لأني بقولي هذا وكأني أكذب على من أمامي وأخدع نفسي عن نفسي. و التواضع أيضًا يكون لم يقدر التواضع ويعاملني بمثل احترامي وتقديري له.
التعليقات