كثيرًا ما نسمع عن الاحتراق النفسي المرتبط بالوظيفة أو الحياة المهنية، وكأن العقل لا يتعب إلا من ضغط العمل والمواعيد والمهام، لكن ماذا عن الاحتراق العاطفي داخل العلاقات العائلية؟ التعب الذي لا يُرى، حين تكون حاضرًا للجميع، تصغي، تتفهم، تبذل جهدك لتهدئة النفوس، لحماية الروابط، لإسعاد من حولك، بينما داخلك يطلب لحظة هدوء، أو حتى مساحة صغيرة تتيح لك أن تتنفس دون شعور بالذنب، ليس الأمر كرهًا، ولا نكرانًا، بل احتياجًا إنسانيًا بسيطًا جدًا: أن تُعامل ككائن له حدود. فكيف نعيد التوازن بين حبنا لعائلتنا وحبنا لأنفسنا دون أن يطغى أحدهما على الآخر؟
متى نتحدث عن الاحتراق العاطفي داخل العلاقات العائلية، لا العمل فقط؟
دعيني أضع قاعدة عامة، بأن كل شيء زيادة عن حده هو مشكلة بالنسبة لنا، حبنا لعملنا لدرجة إرهاق النفس والجسد من أجل تقديم أفضل شيء، أو لإثبات أنفسنا هو مشكلة قد تعرضنا لمشاكل كبيرة مع الوقت.
كذلك الإحتراق العاطفي من أجل ما نحب، او كما يقال" نحن شمعة تحترق من أجل الأخرين"، لماذا نصل إلى هذه الدرجة من التعب؟ لماذا لا يوجد مشاركة وتعاون من أجل مساعدة بعضنا البعض وتقليل العبئ الذي نواجه؟
فكيف نعيد التوازن بين حبنا لعائلتنا وحبنا لأنفسنا دون أن يطغى أحدهما على الآخر؟
عن طريق تخصيص بعض الوقت لأنفسنا، لنفعل ما نحب، يجب أن نختار حياتنا التي نعيشها بأنفسنا وليس عن طريق إختيارهم لطريقة حياتنا.
أعتقد أن الأمر في جوهره مسألة تعود، حين يعتاد من حولنا أننا دائمًا "نحن" من نتحمل، من ننجز، من لا يشتكي ولا يطلب المساعدة، تصبح المسألة وكأنها وظيفة غير مكتوبة، والمشكلة هنا أننا نحن من رسخ هذا السلوك عن طيب نية طبعًا، لكن الآن وقد أصبحت أوقاتنا وطاقتنا موزعة على الجميع بلا استثناء، هل يمكن أن نلومهم فعلاً؟ ربما السؤال الحقيقي الذي علينا التفكير فيه هو: كيف نكسر هذا النمط، ونعيد تعريف طريقة تفاعلنا مع من حولنا دون الشعور بالذنب؟
في رأيي الاحتراق العاطفي داخل الأسرة من أكثر الأنواع صمتًا وتأثيرًا لأنه لا يُعترف به بسهولة وغالبًا يُقابل بنكران أو اتهام بالأنانية خاصة إذا عبّر أحد أفراد الأسرة عن حاجته للراحة أو الانسحاب المؤقت شخصيًا مررت بلحظات شعرت فيها أنني أبذل كل ما بوسعي لأجل الآخرين بينما أتآكل بصمت من الداخل وأدركت أن التوازن لا يعني التقليل من حبنا لعائلتنا بل يعني أن نمنح أنفسنا نفس القدر من التعاطف والاهتمام فالعطاء الحقيقي لا يأتي من الشخص المنهك بل من الشخص الذي يعرف كيف يعتني بذاته أولًا ليظل قادرًا على الاستمرار
أُدرك تمامًا الشعور الذي وصفته، ولا أنكر أن التعبير عن الإرهاق داخل الأسرة كثيرًا ما يُقابل بالتجاهل أو التقليل. لكن برأيي، ثمة فارق بين الاحتراق الناتج عن غياب التقدير، وبين شعور يتولّد حين يربط الإنسان قيمته بعطائه وحده، من دون أن يضع حدودًا واضحة. أحيانًا، الحل لا يكمُن فقط في طلب الراحة، بل في مراجعة تصوّرنا لدورنا داخل الأسرة: هل أنا مُطالبة دومًا بأن أكون الطرف الذي يحمل الجميع؟ وهل هذا عادل حتى لنفسي؟
التعليقات