دوما ما أستغرب إقدام الناس على الطاعات وعمل الخير بطريقة ملفتة جدا على عكس باقي الشهور، حتى بالشارع تجد النساء أقل زينة وأكثر حشمة، والناس تكون لديها قدرة على التحكم بغضبها، وإن بادر أحد بالسوء يقال له "احنا برمضان" ما السبب؟ لا أحد يقول لي أنه شهر البركة، هذا أعرفه تمامًا لكن كل السلوكيات التي نراها مزدهرة برمضان هي بالأساس سلوكيات أساسية بديننا وعقيدتنا، فلماذا نركز كل هذا بشهر واحد ونتكاسل ونكون أقل تحمسا بباقي الشهور؟
لماذا نركز على عمل الخير بشكل كبير في شهر رمضان على عكس باقي الشهور؟
صحيح، وكأننا نعيش في رمضان نسختنا المثالية، ثم نعود بعدها إلى ما كنا عليه ربما السبب أن رمضان يمنحنا شعورا ببداية جديدة، وكأنه دفعة روحية تعيد إلينا الحماس لفعل الخير، فنحاول استغلال هذه الفرصة بأفضل شكل ممكن كما أن الأجواء العامة تلعب دورا كبيرا، فعندما يرى الإنسان من حوله يفعلون الخير، يتحمس بشكل تلقائي ليكون جزءا من هذه الحالة الجماعية. لكن التحدي الحقيقي يكمن في أن نحافظ على هذا الشغف بعد انتهاء الشهر، وألا يكون مجرد حالة مؤقتة مرتبطة برمضان فقط.
لكن التحدي الحقيقي يكمن في أن نحافظ على هذا الشغف بعد انتهاء الشهر، وألا يكون مجرد حالة مؤقتة مرتبطة برمضان فقط.
هذا الطرح يبدو مثالياً لكنه يتجاهل طبيعة الإنسان وعوامل التأثير الخارجية. فليس من الواقعي أن نحافظ على نفس مستوى الالتزام والحماس بعد رمضان، لأن الأجواء المحفزة تنحسر، وضغوط الحياة تعود لتفرض إيقاعها المعتاد. الحماس الديني في رمضان ليس مجرد "شغف" يمكن التحكم فيه بالإرادة وحدها، بل هو نتيجة ظروف متكاملة من بيئة جماعية، وتغيير جذري في الروتين، وشعور بالهدف المشترك. لذا، من الطبيعي أن يقل الحماس بعد رمضان، وليس هذا بالضرورة ضعفاً في الإيمان، بل انعكاس لحالة نفسية واجتماعية تتغير مع تغير الظروف. الحل ليس مجرد محاولة "المحافظة على الشغف"، بل بناء عادات طويلة الأمد تكون متجذرة في الحياة اليومية، بحيث لا تصبح الطاعات موسمية بل جزءًا من أسلوب الحياة مهما تبدلت الظروف.
بل هو نتيجة ظروف متكاملة من بيئة جماعية، وتغيير جذري في الروتين، و
ما التغيير الجذري الذي تقصده؟ تفاصيل اليوم هو تفاصيل اليوم فنحن نعمل برمضان مثلما نعمل بالأيام العادية، روتين اليوم هو نفسه بالتفصيل كل ما تغير مواعيد الطعام لا أكثر، فأين المشكلة هنا؟ للأسف الوضع مختلف تماما عن ذلك ولا علاقة له بالروتين بدليل وجود أشخاص يستمروا بنفس النهج حتى بالايام العادية ولكن الأغلبية يعتقد أنه لما يجتهد برمضان سيكرمه ربه أكثر فيجتهد أكثر بهذا الشهر عكس البقية
ربما السبب وراء تركيزنا على الخير والطاعات في رمضان يعود إلى كونه نقطة انطلاق مثالية للتغيير، حيث يمنحنا فرصة لإعادة ضبط حياتنا الروحية والأخلاقية في بيئة محفزة. في بقية الشهور، يواجه الإنسان تحديات الحياة بشكل متواصل دون توقف، مما يجعله يغرق في مشاغله ويؤجل تحسين ذاته، لكن في رمضان، تتغير العادات اليومية بشكل جذري، مما يخلق فرصة ذهبية لكسر الروتين وإعادة ترتيب الأولويات. نحن لا نغفل عن هذه السلوكيات عمدًا بقية العام، لكن رمضان أشبه بمحطة تجديد للطاقة الإيمانية، حيث نشعر أن لدينا دافعًا أقوى ودعمًا جماعيًا يجعل الالتزام أسهل وأكثر وضوحًا. ولا يمكننا التعميم على الجميع.
لماذا كلامك يوحي أن رمضان له روتين مختلف وعادات يومية مختلفة؟
بالفعل يا صديقي لأن رمضان يحمل طابعًا خاصًا في حياتنا اليومية، ويغير من روتيننا المعتاد. خلال هذا الشهر، يكون هناك تغييرات كبيرة في العادات اليومية مثل الصيام، وتغيير مواعيد الطعام، والتجمعات العائلية، بالإضافة إلى العبادات مثل صلاة التراويح وقراءة القرآن. هذه التغيرات تخلق جوًا مميزًا، حيث يتغير نمط الحياة بشكل مؤقت لتلبية احتياجات الشهر الروحية والبدنية، مما يجعل الناس يشعرون وكأن هناك روتينًا مختلفًا يتم اتباعه. وليس فقط المسلمون بل غير المسلمين أيضا.
ولكن هذا ليس عذرا منطقيا، بالتأكيد له روحانيات مختلفة لكن ليس عذرا للتكاسل فيما بعد أو أن نوقف الخير فقط لأن الشهر انتهى
لكن ليس عذرا للتكاسل
كلامك صحيح لكن دائما مفهوم القطيع يسود في كل الأحيان، فلو استمرت العائلة مثلا على عادة توزيع الطعام بعد رمضان فستجد باقي العائلة يحذو حذوهم فقط لأن الجماعة تفعل هذا. وهذه النظرية اسمها نظرية سلوك القطيع وهي تشير إلى ميل الأفراد لتقليد تصرفات المجموعة التي ينتمون إليها بدلاً من اتخاذ قراراتهم بشكل مستقل. في كثير من الأحيان، يتبع الناس بعضهم البعض في قرارات معينة لمجرد أن "الجميع يفعل ذلك"، حتى لو كانت هذه التصرفات غير عقلانية أو غير مبررة. يظهر هذا السلوك في العديد من المواقف، مثل الأسواق المالية حيث يتبع المستثمرون نفس الاتجاهات، أو في الحياة اليومية عندما يتجمع الناس أو يتخذون قرارات بناءً على ما يفعله الآخرون، لتجنب الشعور بالعزلة أو الاختلاف عن المجموعة.
ربما لأن فهمنا إن شهر رمضان، هو شهر الخير والبركة وأن الحسنات تضاعف فيه، وأننا تركنا الطعام والشراب الذى هو لا حرمة فيه ولكن تركانه عبادة وطاعة لله فمن باب أولى ترك المحرمات، حتى البعض لا يصلى ولكنه يقبل فى الشهر الكريم على الصلوات ولعل هذا من رحمة الله بأمة الإسلام، ( إن لربكم فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها لعل أحدكم أن تدركه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً) ، ففعلهم هذا إشارة خير، ما زال فيهم خيرا ولو كان فى شهر رمضان، ولعل المجتمع كله تسوده تلك الروح التى لا تشعر فيها بصعوبة الصيام لأن الكل صائم ، ولا تشعر المرأة بغرابة لأن الجميع من حولها يحتشمن فى شهر رمضان، وكأن المجتمع تجانس وصار الجميع يأخذون بأيد بعضهم لفعل الطاعات وترك المحرمات وهذا من بركة الشهر الكريم وهذا من تعظيم شعائر الله، كما ترى البعض يسمع الأغانى وربما لا يصلى لكن عندما يسمع الأذان وينبهه أحدهم لإغلاق الأغانى للأذان يفعل فهذا بقايا خير فى الناس.
ومن كانت تلك سلوكياته فى حياته العادية فعليه أن يزد فى رمضان ، كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون فى رمضان.
فلماذا نركز كل هذا بشهر واحد ونتكاسل ونكون أقل تحمسا بباقي الشهور؟
شهر رمضان يخلق بيئة جماعية تدفع الناس نحو الالتزام بالأخلاق والأعمال الصالحة، فالأجواء الروحانية، وكثرة العبادات الجماعية، والتذكير المستمر بالقيم الدينية تجعل الفرد أكثر وعياً بسلوكه. الصيام نفسه يلعب دوراً في تهذيب النفس وتعزيز الصبر، مما ينعكس على التعاملات اليومية. بعد رمضان، يخف هذا التأثير تدريجياً لأن الدافع الجماعي يقل، ويعود كل شخص إلى نمط حياته المعتاد حيث لا يكون التركيز على العبادات والأخلاق بنفس القوة. المشكلة ليست في أن الناس يفعلون الخير في رمضان، بل في عدم وجود محفزات كافية تجعلهم يحافظون على نفس الروح طوال العام.
أرى هذه النظرة مغلوطة لأنها تبدو وكأنها تتهم من يلتزم بمخالفة طبيعته وأن عليه مثلاً الثابت عليها، رغم أنه قد يكون يجاهد نفسه أو يحاول لربما يستمر على حال الطاعة، وبرأيي المبرر هنا يكمن في أثر الصيام وعظمة ومكانة هذا الشهر الكريم وما يشهده من جهر كبير بالطاعة وهذا يحفز من يعصي على قدر من الطاعة أو على الأقل على إخفاء المعصية
التعليقات