هل فكرتم يومًا أن الطب النفسي قد يكون أكثر من مجرد جلسات استماع أو وصفات دوائية؟ برأيي هو مجال معقد يجمع بين العلم والإنسانية، ويسعى لفهم الأعماق النفسية للأفراد وتقديم الدعم الذي قد يغير حياتهم، لكن كما هو الحال في أي مجال يختلف التأثير من شخص لآخر، فبعضكم قد يجد فيه الحلول والراحة، بينما قد لا يشعر آخرون بتحسن كبير، وعلى الرغم من ذلك يبقى الطب النفسي أداة قوية لفهم الذات والتعامل مع التحديات النفسية. هل تعتقدون أن العلاج النفسي يقدم حلولًا حقيقية للمشاكل النفسية أم أنه مجرد محاولة لفهم الذات دون نتائج ملموسة؟
"الطب النفسي مجرد تجارة مشاعر ولا يقدم حلولًا حقيقية" هل هذا صحيح برأيك؟
أتفق معكِ في أن الطب النفسي ليس مجرد استماع أو وصفات دوائية، بل هو وسيلة لفهم النفس والتعامل مع التحديات بشكل أعمق. صحيح أن تأثيره يختلف من شخص لآخر، لكن لا يمكن إنكار أنه ساعد الكثيرين في تجاوز أزمات نفسية حقيقية. ربما المشكلة تكمن في التوقعات، فالبعض يعتقد أنه سيجد حلاً سريعا، بينما العلاج النفسي هو رحلة تحتاج إلى وقت وجهد. الأهم هو أن يجد كل شخص الطريقة التي تناسبه، سواء من خلال العلاج النفسي، أو تغيير نمط الحياة، أو الدعم الذاتي
فالبعض يعتقد أنه سيجد حلاً سريعا، بينما العلاج النفسي هو رحلة تحتاج إلى وقت وجهد
التوقعات ليست المشكلة الوحيدة، بل هناك العديد من العوامل الأخرى التي قد تؤثر على فعالية العلاج النفسي، على سبيل المثال قد تكون الطرق المتبعة أو الأساليب المستخدمة في العلاج غير مناسبة لطبيعة الشخص أو حالته النفسية مما يعيق التقدم الفعلي، بالإضافة إلى ذلك قد لا يكون الطبيب النفسي قادرًا على خلق بيئة علاجية مريحة ومفتوحة تسمح للمريض بالتعبير عن نفسه بحرية، مما يؤدي إلى تراجع فعالية العلاج.
الطب النفسي اليوم أصبح صناعة أكثر منه علاجًا، حيث يُباع الوهم على شكل جلسات طويلة وأدوية تُسكّن الأعراض دون حل جذري. بدلًا من تمكين الأفراد، يتم تقييدهم بتشخيصات جاهزة وعلاجات مكلفة. نعم، هناك حالات تستفيد، لكن لا يمكن إنكار أن كثيرًا منه تحول إلى تجارة تستغل ضعف الإنسان بدلًا من معالجته.
الطب النفسي اليوم أصبح صناعة أكثر منه علاجًا، حيث يُباع الوهم على شكل جلسات طويلة وأدوية تُسكّن الأعراض دون حل جذري
رأي سليم لكن لا يمكن حصره في مجال الطب النفسي؛ فمن الممكن أن تتحول المحاماة لصناعة يتم استغلال الأفراد فيها، وهكذا الطب التقليدي، ومجالات التكنولوجيا والحرف اليدوية كالنجارة والحدادة.
كل منها يمكن أن يتحول لاستغلال واضح للعملاء ففي كل مهنة يوجد الخبير ويوجد المستغل الساعي وراء الربح فقط.
صحيح فالأطباء أصبحوا يستسهلون العلاج بالأدوية بدلاً من إضاعة الوقت في الحديث مع المرضى ومحاولة فهم مشاعرهم وأسباب معاناتهم بعمق، للأسف المهنة أصبحت تفتقر إلى الجانب الإنساني الذي يتطلب الصبر والتفاعل المباشر مع المريض، فالحلول السريعة قد تخفف الأعراض مؤقتًا، لكنها لا تعالج الجذور الحقيقية للمشاكل النفسية، ما كان ينبغي أن يكون علاجًا شاملاً أصبح في كثير من الأحيان مجرد طريقة لتسكين الألم دون النظر إلى العلاج العميق والمستدام.
الطب النفسي يختلف عن الطب التقليدي في أن التعافي يشترك فيه الطبيب والمريض معاً، يجب أن يكون المريض عازم على التحسن، كما يجب عليه أن يتقدم للعلاج في وقت مبكر قبل اشتداد الأعراض، ويجب أن يتمتع بالصدق مع ذاته.
بالنسبة للتغل على التحديات: فمن مهام الطبيب النفسي تكليف طالب العلاج بمهام محددة عليه اجتيازها، ويتم اختيار هذه المهام وتنسيقها عن طريق الطبيب.
هناك طائفة من الأمراض العقلية التي يكون السبب فيها هو اضطراب الموصلات العصبية مثل الذهان والفصام: وهذه من الصعب علاجها جذرياً بدون استخدام علاج دوائي.
وماذا لو كان المريض يعاني من الاكتئاب الشديد أو مشكلة تجعله لا يثق في نفسه ويشعر باليأس من العلاج؟ في مثل هذه الحالات قد يكون من الصعب على المريض أن يكون عازمًا على التحسن أو أن يتقدم للعلاج بشكل مبكر، فالاكتئاب مثلاً يمكن أن يضعف القدرة على اتخاذ قرارات صحيحة أو حتى على الاعتراف بوجود المشكلة، وليس من السهل على شخص يعاني من هذه المشاعر أن يكون صادقًا مع ذاته أو أن يثق في العلاج، وفي هذه الحالة يحتاج المريض إلى دعم إضافي من المقربين والمختصين لتجاوز هذا الانغلاق الداخلي وفتح قنوات التواصل مع نفسه ومع الطبيب.
ماذا لو كان المريض يعاني من الاكتئاب الشديد أو مشكلة تجعله لا يثق في نفسه ويشعر باليأس من العلاج؟
هذا صحيح جداً وهي من عقبات علاج الاكتئاب أن المريض لا يكون لديه الرغبة في أصلاً في العلاج، أو لا يستطيع اتخاذ قرار عازم بشأن ذلك.
لذلك من المهم أن يتقدم المريض مبكراً للعلاج في الوقت الذي توجد فيه نقطة مضيئة داخل الفكر تحسه على العودة للاستمتاع بالحياة وتحقيق الإنجازات.
وفي الحالات المتقدمة يتم استخدام الأدوية الكيميائية التي تعطي مريض الاكتئاب دفعة من السعادة تحفزه على إكمال الطريق حتى نهاية التعافي.
هل تعتقدون أن العلاج النفسي يقدم حلولًا حقيقية للمشاكل النفسية
أنا لا أعتقد ذلك بشكل مطلق، ولدي تجربة شخصية مع ذلك:
لقد كانت عندي مشكلة وهي أنني كنت وأنا صغير أنتف خصلات شعر من فوق الجبين وأنا جالس بشكل قد يكون لا إراديا وذهبت بي أمي لطبيب نفسي ليفحصني؛ وبعد أن جلس معي أخبرها بأن هذا مرض نفسي وأنني أحتاج لمهدآت وهكذا. وسبحان الله لم آخذ المهدآت وتعافيت وحدي بعد أسبوع تقريبا بعد أن اكتشف أبي أن سبب المشكلة كان فقط أنني لدي قشور شعر كثيفة وأنني كنت كلما أضغط على شعري يعجبني الصوت الذي تصدره طأطأة الشعر الطبيعية فكنت أنتف هذه الخصيلات الصغيرة. بالرغم من أن الأمر يبدو من المواقف الفكاهية التي تدعو للبكاء لكن كان التشخيص الخطأ من طبيب يحفظ ولا يفهم كان من الممكن أن يحول حياتي كلها ويحولني من طفل طبيعي إلى مريض نفسي ويحتاج للعلاج.
ما مررت به يوضح كيف أن التشخيص السريع والمبني على افتراضات قد يكون مضللًا جدًا، ففي الكثير من الأحيان يقتصر الأطباء على وصف الحلول الجاهزة دون التأكد من أن المشكلة أعمق مما يبدو عليه الحال، وبدلاً من البحث والتفحص قد يُتخذ القرار بشكل عشوائي مما قد يتسبب في تأثيرات غير متوقعة على حياة الشخص خاصة لو كان طفل صغير، من المهم أن يكون الأطباء أكثر استماعًا وتفهمًا لحالة كل مريض بشكل فردي، وأن يتم التحقيق في الأسباب الحقيقية للأعراض بعيدًا عن الاعتماد فقط على المعايير التقليدية.
الأمر لا يتعلق فقط بالأطباء، بل بطريقة تعامل النظام الطبي ككل مع الأعراض، حيث يتم أحيانًا تصنيف أي سلوك غير مألوف على أنه مشكلة نفسية دون النظر إلى السياق الشخصي لكل فرد. وهذا قد يكون خطيرًا خاصة مع الأطفال، لأنهم قد يُعاملون على أنهم يعانون من اضطراب، بينما الأمر لا يتجاوز عادة طبيعية لديهم. خصوصا مثلا فرط الحركة واضطراب السلوك فكثيرا ما كان البعض يحكم على بعض الأطفال أمامي بأنهم لديهم فرط حركة والحقيقة بالنسبة لذلك الطفل بالذات قد يكون نوع من الزكاء أو حتى لأنه يعيش في بيئة مغلقة ويرغب في اللعب في أماكن واسعة.
ليس فقط فرض الأسعار الباهظة، بل وصل الأمر إلى أن بعض الأطباء بدأوا يركزون على تقديم علاجات غير فعالة أو جلسات طويلة ومتكررة دون فائدة حقيقية فقط لزيادة الدخل، وهذا الجشع شوه سمعة الطب النفسي وجعل البعض يعتقد أن الهدف الأساسي هو الربح المادي، وليس مساعدة المرضى في التعافي، وهذا التوجه يضر بالمجال بشكل كبير ويزيد من شكوك الناس حول فعالية العلاج النفسي.
الطب النفسي رحلة معقدة بين كيمياء الدماغ وفلسفة الأحداث. علم يحاول تفكيك ألغاز النفس البشرية وتعقيداتها، فن يحتاج إلى فهم أعمق من مجرد تشخيص وعلاج.. البعض يخرج منه وقد أعاد ترتيب فوضاه الداخلية، والبعض الآخر يجده مجرد ضوء خافت في نفق طويل لا نهاية له.
هذا يعتمد على الشخص نفسه وعلى مدى استعداده للتعاون مع العلاج، في بعض الأحيان يكون العلاج النفسي رحلة شاقة تتطلب الكثير من الوقت والجهد من المريض قبل أن يحقق أي تحسن حقيقي، بينما في حالات أخرى قد يجد الشخص نفسه في مكان أكثر وضوحًا وسلامًا بعد التفاعل مع المعالج، فالأمر ليس دائمًا متشابهًا للجميع، فكل تجربة تختلف بناء على ظروف الفرد ومرونته النفسية واستعداده لمواجهة تحدياته الداخلية.
بكل تأكيد يقدم نتائج حقيقية لكن لو كان من مختص فعلاً، وقد لمست أثره على نفسي أثناء معاناتي من صدمة ما بعد الفقد أو حالة رفض الواقع بعد وفاة والدتي ووالدي، أيضاً.
لكن ربما نهمل هذا الأثر بسبب عدم الاعتراف الكبير بالاضطراب والمرض النفسي، وبسبب عدم وجود رقابة على مقدمي خدمات الطب والعلاج النفسي حيث أصبح المجال نوعاً ما مفتوح لمن يجيد الاستماع والحديث ويمتلك النصائح الجيدة رغم أنه ليس طبيب أو مختص نفسي.
بالفعل أصبح الجميع يعتبرون أنفسهم أطباء نفسيين في عصرنا الحالي، حيث يقوم العديد من الأفراد بتقديم النصائح والعلاج النفسي رغم أنهم لا يمتلكون المؤهلات أو الخبرة اللازمة، ويتجاهل الكثيرون أهمية التعليم المتخصص والتدريب في هذا المجال، مما يؤدي إلى انتشار معلومات خاطئة قد تضر بالصحة النفسية، وهذا يجعل من الضروري أن تكون هناك رقابة صارمة على مقدمي هذه الخدمات لضمان جودة الرعاية والسلامة النفسية للأفراد.
الفيصل هنا هو نوعية المرض وما مدى استعداد المريض للاستجابة للعلاج، فمثلا الاشخاص التي تعاني من توتر، قلق اكتئاب أو على هذه الشاكلة، قد تشعر بتحسن أكثر من شخص مثلا شخص يعاني من الفصام البارانويدي أو ما شابه. ناهيك عن مدى استعدادية الشخص وتقبله للعلاج، هل يتعامل معه بواقعية وأنه بالفعل طب مثل أي طب، أم يتعامل معه باستخفاف!
لذا الطب النفسي مهم هنا، وإلا لماذا يوجد أطباء نفسيين و متخصصي في مجال الصحة العقلية والسلوكية واصبحوا ذات مؤهلات عريقة؟ ولماذا أصلا يلتحقون بهذه المهنة، دراسة 4 سنوات وتدريبات وخلافه!
مثلما قلت الطب النفسي مثله مثل أي طب قد يشعر الشخص حياله بالتعافي، وقد لا يحصل على النتيجة المطلوبة، لكن في النهاية الناس بحاجة إلى هذا المجال. كونه مثله مثل أي طب يشخص و يقدم حلول من خلال وضع خطة علاج محددة، ربما مع زيادة التوتر والقلق المزمن وانتشار بعض الأمراض العقلية نتيجة ظروف كثيرة قد تكون خارجة عن ارادتنا أصبحنا بأحوج إليه
الطب النفسي ليس مجرد تجارة مشاعر، بل هو علم قائم على دراسات وتجارب طويلة تهدف إلى مساعدة الأفراد على تجاوز مشكلاتهم النفسية. صحيح أن تأثيره يختلف من شخص لآخر، ولكن ذلك يعود لطبيعة الحالة ومدى استجابة الشخص للعلاج، وليس لعدم فاعلية المجال نفسه. العلاج النفسي يساعد الكثيرين على إدارة ضغوطهم، تحسين علاقاتهم، وتطوير استراتيجيات للتعامل مع التحديات. في بعض الحالات، يكون التدخل الدوائي ضرورياً بجانب العلاج النفسي لتحقيق نتائج ملموسة. المشكلة ليست في الطب النفسي، بل في التوقعات غير الواقعية أو في اختيار معالج غير مناسب للحالة.
التعليقات