نعلمُ أنَّ الأفعالَ إمّا أن تكونَ لازمةً فتكتفي بفاعلها، أو تكون متعديةً فتتعدّى لمفعولٍ واحد، أو تتعدّى لمفعولَين، أو ربما تتعدّى بحرفٍ من حروف الجر.

ونعلم أنَّ كثيراً من الأفعال مترادفةُ المعنى فيما بينها مع اختلافٍ بسيط.

أسلوب التضمين هو أن يؤدّيَ فعلٌ معنىً لفعلٍ آخر يشابهه ويتقارب معه في المعنى، فيأخذ الفعلُ المُضمَّن حُكمَ الفعلِ الآخر.

ونقصد بالحُكم أي اللزوم والتعدي والتمام والنقصان وغير ذلك.

أي أنّنا نستطيع مثلاً أن نجعلَ فعلاً من الأفعال اللازمة يتضمّنُ معنىً لفعلٍ متعدٍّ يشبهه في المعنى، فينصب حينئذٍ الفعلُ اللازمُ مفعولاً به لأنّه أخذ حُكم الفعل المتعدّي الذي تضمّن معناه، ونستطيع أن نفعل عكسَ ذلك أيضاً.

إذاً، فالتضمين له أنواعٌ عدّة، نذكر منها ونمثّل لها بأمثلةٍ كي يتّضح مرادنا:


النّوع الأول: تضمين الفعل اللازم معنى الفعل المتعدّي:

في هذا النّوع ينصبُ الفعل اللازم مفعولاً به مع أنّه فعلٌ لازم ينبغي أن يكتفي بفاعله.

قال تعالى: {{ألا إنَّ ثَمودَ كفَرُوا رَبَّهُم}} (هود: 68)، الفعل "كفرَ" فعلٌ لازم، فنقول مثلاً: "كفرَ الرّجلُ" ولا حاجةَ لإضافةِ مفعولٍ به، ولكن في الآية تضمّن الفعلُ "كفر" معنى الفعل "جحَد" (وهو فعلٌ متعدٍّ)، فنصبَ مفعولاً به "ربَّهم".

وقال تعالى أيضاً: {{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْراهِيمَ إلّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَه}} (البقرة: 130)، الفعلُ "سَفِهَ" فعلٌ لازم، ولكنّ الفعل في الآيةِ تضمّن معنى الفعل المتعدّي "جهِلَ"، فأخذ حكمَه ونصبَ مفعولاً به "نفسَه".


النّوع الثاني: تضمين الفعل المتعدّي معنى الفعل اللازم:

الفعل المتعدّي في هذا النّوع يأخذ حُكمَ الفعل اللازم، فيكتفي بالفاعل ولا ينصبُ مفعولاً به، بل يتعدّى بحرفِ جرٍ أحياناً.

قال تعالى: {{لا يَسَّمَّعُونَ إلى الملأِ الأعْلى}} (الصّافات: 8)، الفعل "يسّمّع" متعدٍّ، فنقول مثلاً: يسّمّعُ الخطبةَ التي يُلقيها الخطيب، ولكنّ الفعل في الآية تضمّن معنى الفعل "يُصغي"، والفعل يُصغي يتعدّى بحرف الجر "إلى"، فأخذ الفعل "يسّمّع" حكمَه ولم ينصب مفعولاً به، وإنّما تعدّى بحرف الجر "إلى".

وقال تعالى: {{فلْيَحْذَرِ الّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ}} (النّور: 63)، الفعل "يخالف" متعدٍّ، ولكنّه في الآيةِ لم ينصب مفعولاً به، بل تعدّى بحرف الجر "عن" لأنّه تضمّن معنى الفعل "يُعرِض"، أي؛ يُعرِضونَ عنْ أمره.


النّوع الثالث: تضمين الفعل المتعدّي الذي يتعدّى لمفعولٍ واحدٍ معنى الفعل المتعدّي الذي يتعدّى لمفعولَين:

قال تعالى: {{وَتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً}} (الأعراف: 74)، الفعل "نحتَ" متعدٍّ لمفعولٍ واحد، وقد جاء في القرآن الكريم مثالُ ذلك في قول الله: {{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتَاً فَارِهِين}} (الشعراء: 149)، فالفعل "نحتَ" في آية سورة الشعراء نصبَ مفعولاً واحداً "بيوتاً"، أمّا في آية سورة الأعراف فتضمّن الفعل "نحتَ" معنى الفعل "اتّخذ" الذي ينصبُ مفعولَين، فنصبَ "الجبالَ" ونصبَ "بيوتاً" بمعنى: تتّخذونَ الجبالَ بيوتاً.

وقال تعالى: {{ثُمَّ خَلقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فخَلقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً}} (المؤمنون: 14)، الفعل "خلق" يتعدّى لمفعولٍ واحد، ولكنّه هنا جاء بمعنى "جعل" الذي ينصبُ مفعولَين.


النّوع الرّابع: تضمين الفعل المتعدّي الذي يتعدّى لمفعولَين معنى الفعل المتعدّي الذي يتعدّى لمفعولٍ واحد:

في النّوع السّابق رأينا الفعل "خلقَ" الذي تضمّن معنى الفعل "جعل"، أمّا في هذا النّوع من التضمين فسيحدث العكس، أي أنّ الفعل "جعلَ" الذي يتعدّى لمفعولَين سيتضمّن معنى الفعل "خلقَ" الذي يتعدّى لمفعولٍ واحدٍ فقط.

قال تعالى: {{وَجَعَلَ الظُلُماتِ وَالنُّوْر}} (الأنعام: 1)، أي بمعنى: خلقَ الظلماتِ والنّور، فنصبَ الفعلُ "جعلَ" مفعولاً واحداً لتضمّنه معنى الفعل "خلق".


النّوع الخامس: تضمين فعلٍ يتعدى بحرف جرٍ معنى فعلٍ آخر يتعدّى بحرف جرٍ لا يتعدّى به الفعل الأول:

بعض الأفعالِ تتعدّى بحروف جرٍ معيّنة ولا تتعدّى بغيرها، فنقولُ مثلاً: أحاطَ بالأمر، ولا نقول: أحاطَ على الأمر.

ولكن في أسلوب التضمين يجوز أن يتعدّى الفعل بحروف جرٍ لا يتعدّى بها عادةً إن كان الفعل يتضمّن معنى فعلٍ آخر يتعدّى بحروف الجر تلك.

قال تعالى: {{وَلَا تَأكُلُوا أمْوَالَهُمْ إِلى أمْوَالِكُم}} (النّساء: 2)، فالفعل "أكل" لا يتعدّى بحرف الجر "إلى"، ولكنّه تضمّن في الآية معنى الفعل "ضمَّ"، والفعل "ضمَّ" يتعدّى بحرف الجر "إلى"، فيصبح المعنى: لا تضمّوا أموالهم إلى أموالكم.

وقال تعالى: {{عَيْنَاً يَشْرَبُ بِها عِبَادُ اللهِ}} (الإنسان: 6)، الفعل "يشرب" يتعدّى بحرف الجر "من" ولا يتعدّى بالحرف "بـ"، ولكنّ الفعل هنا تضمّن معنى الفعل "يتلذّذ"، والتلذذ بالأمر صحيحٌ لغةً، فيصبح المعنى: "عيناً يشربُ ويتلذّذُ بها عبادُ الله".