عندما تنشغلُ عن الصّلاة بلعبٍ أو لهوٍ، فأنتَ بذلك "مشغول"، والصلاةُ التي انشغلتَ عنها تُسمّى "مشغولٌ عنه" لأنّك نقلتَ اهتمامَك وارتباطَك إلى ما دونها، وأمّا اللعبُ فهو "مشغولٌ به".

(ولا تنسَ -باركَ الله بكَ- أنّ الصّلاةَ لا ينبغي أن تكون "مشغولاً عنه"، وهنا نتكلّم واقعاً وليس لغةً).

في اللغة العربية -كما هو معلومٌ بالضرورة- أنّ الفعلَ يتبعهُ فاعلٌ فمفعولٌ به إن كان الفعلُ "متعدّياً" -أي يقبلُ مفعولاً به-، على عكس الفعل "اللازم" الذي يكتفي بفاعلٍ ولا يحتاج لمفعولٍ به.

في بعض الأحيان، ولمناسبةٍ جماليةٍ في تكوين العبارة، يسبِقُ المفعولُ به الفغلَ فيأتي قبله ويتقدّمُ عليه، فبدلاً من قول "نسألُ اللهَ" نقول: "اللهَ نسألُ"، وللمعنى هنا أهميةٌ في التقديم والتأخير لا يتّسعُ المقام لذكرها.

تخيّل لو أنّنا قلنا: "اللهَ نسألُه"، فأضفنا ضمير الهاء العائدِ على لفظ الجلالةِ المعظّم! فما الذي يحصل؟

ضميرُ الهاء هنا في محلّ نصب مفعولٍ به، فشغَلَ الفعلَ "نسأل" عن المفعول به الأصلي الذي كان يسبقه -أي لفظ الجلالة-، فأصبح الفعلُ مشغولاً بالهاء الذي دخلت عليه عن المفعول به الذي أصبحَ مشغولاً عنه.

المشكلةُ هنا أنَّ المفعول به الأصلي أصبحَ اسماً منصوباً بلا فعلٍ ينصبه، فوجبَ علينا أن نقدّرَ له فعلاً محذوفاً ينصبُه عوضاً عن الفعل الذي تخلّى عنه.

قال تعالى: {{والجِبَالَ أرْسَاها}} (النّازعات: 32)، وقال أيضاً: {{وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا}} (الذاريات: 48)

"الجبال" و "الأرض" مفعولان بهما أصليان، فكان تقدير الكلام "والجبالَ أرسى" و "الأرضَ فرشنا"، فالمعنى هنا تامٌ والجملتان صحيحتان، والمفعولان تقدّما على فعلَيهما، ولكنّ الضمير "ها" دخل على الفعلَين فشغلهما عن مفعولَيهما كما أسلفنا.

قال تعالى: {{وَالقَمَرَ قَدّرْناهُ مَنَازِلَ}} (يس: 39)، تخيّلِ الآيةَ كالتالي: "وقدّرْنا القمرَ، قدّرْناهُ مَنازِلَ"، فحُذفَ الفعل "قدّرنا" الأول، واكتُفي بمفعوله "القمر"، ثمّ جاء الفعل "قدّرنا" الثاني والتصقت به هاء الضمير، فكان ذلك أسلوب الاشتغال، وكانت بلاغتُه في توكيد المعنى بإيرادِ الفعل مرّتَين، مرّةً حُذف وبقيَ ما يدلُّ عليه -أي المشغولُ عنه-، ومرّةً بقي متّصلاً بضمير -أي المشغولُ به-.