كلُّ سؤالٍ بحاجةٍ إلى جواب، وكلُّ مبتدأ يتبعهُ خبر، وكلُّ شرطٍ له مقدّمةٌ وعاقبة، ولكن ...!

في لغة العرب يتمّ الإطناب (أي التطويل) عندما تقتضي الحاجة لذلك، ومن أساليبهم أيضاً أن يتمّ الإيجاز عندما يُكتفى بقليلٍ من الكلام ليصلَ المعنى إلى أذهانِ المتلقّين.

إذاً، فإيجاز الكلام واختصاره أسلوبٌ لغويٌ تتمتّع به اللغة العربية، وكذلك بعض اللغات الأخرى، فإذا كانت نتيجةُ الأمر معروفةً ولا شكّ ولا التباس فيها، وإذا كان المحذوفُ معلوماً من سياق الجملة، فيُحذف بغرض البلاغة في التعبير.

أضف إلى ذلك أنّ الحذفَ يجعل المستمعَ أو القارئَ يذهبُ بخياله إلى أبعد الحدود، ولا يقصُر تفكيرَه على جوابٍ واحدٍ مُصرّحٍ به، بل يُعمِلُ عقلَه ليتقصّى كلّ الاحتمالات الواردة.

فمثلاً إن قال والدٌ لولده: "لو قمتُ إليك"، ثم سكت ولم يُكمل، لتبادرت إلى ذهن الولد أنواعٌ كثيرةٌ من المآلات في حال قيام الوالد إليه لتأديبه أو تعنيفه، فحصل هنا تهويلٌ للأمر وتعظيمٌ للمآل.

قال تعالى: {{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}} (فصّلت: 41)

"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ"، ما حالهم؟ وما مصيرهم؟

هنا ذُكرت مقدّمةُ الأمر ولم تُذكر النتيجة، فالحاصل معروفٌ من سياق الآية ومعلومٌ للجميع، فالذين كفروا مصيرُهم الهلاك والخسران، فحُذفَ خبرُ إنَّ إيجازاً واختصاراً، وتهويلاً للمآلِ وتعظيماً لاحتمالات الهلاك والخسران.

وقال تعالى: {{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ}} (الزمر: 19)

بعد قول الله: "أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَاب"، هل من داعٍ لإتمام الآية بالقول: "كمَنْ أفلحَ ونجا؟" حتى يكتملَ المعنى ويعلمَ القارئُ أو المستمعُ أنّ الفريقَين لا يستويان، وأنّ الفريقَ الثاني -الذي لم يُذكر في الآيةِ اختصاراً- هو الفريقُ الفائز والناجي؟

ويكثرُ الحذفُ مع "لو" و "لولا"، فيُحذفُ الجواب للعلم به حتى وإن لم يرِد أو يُذكر.

قال تعالى على لسان لوط عليه السلام: {{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ}} (هود: 80)

لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً لمنعتُكم أو صددتُكم، فعُلم الجوابُ بداهةً فحُذف.