بسم الله الرحمن الرحيم.

ها نحن من جديد نعود إلى أمتع المواد العربية البلاغة، قبل البدء في الدرس لنراجع على أمور سابقة.

لنتذكر من ما سبق

قلنا أنّ علم المعاني من أحد العلوم التي تستند عليها بلاغتنا العربية، ومن أبواب علم المعاني الإسناد، وتحدثنا أنّ الإسناد هو الضم، ضم اسم لأسم(مبتدأ وخبر نحو "محمدٌ قائمٌ") أو فعل لفاعل( نحو "قامَ محمدٌ")، حسنا، انطلاقًا من هذا يمكننا تقسيم الإسناد بحسب إمكانية صدقه وكذبه، فنقول في "قامَ محمدٌ" يحتمل الصدق أو الكذب إذن نسميه إسناد خبري، ويكون صحيحًا إن طابق الواقع، ويكون كذبًا إن لم يطابق الواقع، بينما إن قلنا "قم يا محمد" لا يحتمل لا الكذب ولا الصدق؛ إذ أنه لم يحدث بعد نسميه إسناد إنشائي، الآن لنكمل درسنا،

الحقيقة العقلية والمجاز العقلي

إن قلنا "أبكاني محمدٌ" قولنا هذا يمكن أن يصدقه العقل حقًا إذ أنّ محمد يمكن أن يكون فاعلًا حقيقيًا، أبكاني بالضرب أو بغيره، بينما إن قلنا "أبكاني الدهر" هذا التعبير اللغوي لا يمكن أن يصدقه العقل على حقيقته فلا يمكن أن يكون الدهر فاعلًا حقيقيًا في هذه الحالة يسمى مجازًا عقليًا،

الحقيقة العقلية: إسناد الفعل -أو ما ينوب عن معناه كاسم الفاعل، الصفة المشبهة، المصدر .. إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر.

المجاز العقلي: إسناد الفعل -أو ما ينوب عن معناه كاسم الفاعل، الصفة المشبهة، المصدر .. إلى غير ما هو له عند المتكلم في الظاهر.

المجاز العقلي

"أتت الريح وسلمت علينا"، "جلس الزمن يبكي على حالنا"، "دارت الأرض ودارت إلى أن تعبت" كل هذا الكلام مجاز عقلي، المجاز العقلي يمكن أن يحتمل الكذب أو الصدق فيمكن أن يأتي من الإسناد الخبري، ويمكن أن لا يحتمل لا الكذب ولا الصدق فيسمى إسناد إنشائي، هل للمجاز العقلي قواعد أم يأتي بدون قاعدة؟ لا، بالطبع يوجد بعض القواعد التي تحدد المجاز العقلي، لنبدأ بعلاقات المجاز العقلي،

علاقات المجاز العقلي

السببية

عندما نقول "سجن الحاكم المعارضين" هل الحاكم هنا نزل إلى الشوارع وبحث عن من يعارضه وأتى به ووضعه في السجن؟ بالطبع لا، بل أمر حراسه ومعاونيه أن يبحثواْ عن من يعارضه ليضعوه في السجن، إذن هو السبب في السجن وليس الفاعل الحقيقي، وفي هذا الكلام كان الحاكم فاعلًا مجازًا عقليًا، ومثال على ذلك قوله تعالى:

كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا

الفاعلية

وهي إسناد الفعل إلى صيغة اسم المفعول، مثل قوله تعالى:

 وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا

الملاحظ هنا أنّ الحجاب في الأصل ساتر ليس مستورًا.

المفعولية

هي إسناد الفعل إلى صيغة اسم الفاعل، مثلًا في قوله تعالى:

وَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا

الملاحظ هنا أنّ الحرم لا يكون أمنًا -الأمان من صفة الأحياء؛ بل مأمون فيه.

الزمانية

إسناد الفعل إلى زمانه لا إلى صاحبه، كما في قولنا:

نهارنا صائم

فنحن نصوم في النهار، وليس النهار من يصوم، بل هو مجاز عقلي.

المكانية

وهي إسناد الفعل إلى مكانه، مثل قولنا "بلدنا تبكي ظلمًا".

المصدرية

وهي إسناد الفعل إلى مصدره، مثلًا في قولنا "جنّ جنونهم" فالجنون لا يجنّ.

قرينة المجاز العقلي

القرينة في المجاز هي علامة/دليل تصرف عن إرادة المعنى الظاهر، وتدل على المعنى المراد،

القرينة اللفظية

هي أن تكون تلك العلامة ظاهرة ومذكورة في نص المجاز، بحيث تؤكد أنّ ذلك الكلام هو مجاز حقًا، من الأمثلة المشهورة:

بنَى الغني مسجدًا مستأجرًا أمهر البنّائين

فالقرينة هنا "مستأجرًا أمهر البنّائين" دلت على أن الغني لم يبني البيت في الحقيقة بل الكلام كان مجازًا عقليًا.

غير لفظية

وهي أن تكون تلك القرينة غير ظاهرة، لكن العقل وحده هو ما يحدد إن كان الكلام مجازًا أم لا، فمثلًا في قولنا "أعياني الزمان" هل الزمان يفعل؟ لا، بل هذا الكلام مجاز عقلي، عرفنا أنه مجاز عقلي بدون علامة في النص باستخدام منطق العقل.