بسم الله الرحمن الرحيم.

في الدروس السابقة تحدثنا عن البلاغة، وشروط فصاحة الكلمة، وشروط فصاحة وبلاغة الكلام والمتكلم، وأيضًا عرفنا أنّ البلاغة تنقسم إلى علم المعاني، البيان، والبديع، سنبدأ في الأيام القادمة في التحدث عن علم المعاني، في هذا اليوم سنمهد للتحدث عن علم المعاني وسنبدأ في التحدث عن أول أبوابه من ثمانيةٍ، <أحوال الإسناد الخبري>، لنبدأ،

علم المعاني

علم المعاني هو أصول يتعرف بها كيفية مطابقة الكلام لمقتضى الحال.

في الدرس السابق علمنا أنّه من شروط البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، علم المعاني هو العلم الذي يضع تلك الشروط التي تحدد إذا كان الكلام مطابقًا لمقتضى الحال أم لا،

الحال ومقتضى الحال

في المرة السابقة مررنا على الحال ومقتضى الحال، الحال هو الظرف/الداعي الذي يستدعي التعبير عنه، ويمكن أن يكون الكلام واحدًا لكن الظروف هي التي تغيير معناه، لنمثل على ذلك وجدتُ هذا المثال في "كتاب البلاغة للصف الأول الثانوي الأزهري"

كأنّ رجل يدخل على زوجته فيراها أجمل ما تكون؛ فيقول مبتسمًا سعيدًا "ما هذا الجمال"، ويدخل في وقت آخر فيرى زوجته غير مهندمة، وملابسها غير مرتبة فيقول لها "ما هذا الجمال"، الملاحظ أنّ العبارة واحدة، لكن معناها مختلف تمامًا؛ ففي العبارة الأولى اللفظ على حقيقته، وفي الثاني هو يسخر منها.

إذن يتغير معنى الكلام بتغير الحال، وعلم المعاني يدرب المتكلم على مطابقة كلامه لمقتضى الحال، إذ أنه يعتبر أحد أقسام البلاغة المهمة.

أبواب علم المعاني

بحسب كلام الخطيب القزويني، ينقسم علم المعاني إلى ثمانية أبواب:

  1. أحوال الإسناد الخبري.

  2. أحوال المسند إليه.

  3. أحوال المسند.

  4. أحوال متعلقات الفعل.

  5. القصر.

  6. الإنشاء.

  7. الفصل والوصل.

  8. الإيجاز والإطناب والمساواة.

سنشرع اليوم في دراسة أول باب أحوال الإسناد الخبري،

أحوال الإسناد الخبري

ما معنى الإسناد؟

نعلم أنّ الكلام في العربية إما يبدأ باسم كقولنا "محمد ناجح"، أو بفعل كقولنا "نجحَ محمد"، ولا فرق بين أن يسبق الاسم أو الفعل حرف، كقولنا "ما محمد بناجح" تظل جملة اسمية، وكقولنا "لم ينجح محمد"، مضمون تلك الجمل هو معناها، وهذا المعنى لا يفهم إلا بضم الفعل للفاعل في الجملة الفعلية، أو الخبر للمبتدأ في الجملة الاسمية، وهذا الضم يسمى في البلاغة الإسناد،

الإسناد: ضم كلمة إلى أخرى على نحو يفيد هذا الضم بمعنى يحسن السكوت عليه -تذكر اليوم الأول في النحو.

إذن لدينا نوعين من الإسناد:

  1. إسناد اسمي: كل ما كان طرفا الإسناد فيه من اسمين، مع تجاهل ما تقدم من حروف.

  2. إسناد فعلي: كل جملة ابتدأت بفعل، مع تجاهل ما تقدم الفعل من حروف.

الخبر والإنشاء

إذا ما تأملتَ الكلام العربي، ستجد أنه لا يخرج عن قسمين:

  1. الخبر: وهو ما يحتمل الصدق، أو الكذب، ففي قولنا في الأعلى "نجح محمد" فهذا الكلام يحتمل الصدق أو الكذب، ونحكم بصدقه إذا كان حقًا مطابق للواقع، ونحكم بكذبه، إذا لم يطابق الواقع.

  2. الإنشاء: إذا قلتُ "ذاكر يا محمد" هل يحتمل الكذب أم الصدق؟، لا يحتمل أي منهما إذ أنه لم يقع بعد.

أغراض الخبر

من المعلوم أن التحدث بجملة خبرية يجب أن يكون له غرضًا، ذلك الغرض يكون أصليًّا وهو الذي حدده البلاغيون في نوعين، ويكون فرعيًا، ولا يمكن حصر الأغراض الفرعية إذ أنها تختلف باختلاف الحال وكما نعرف الأحوال لا يمكن حصرها:

أغراض الخبر الأصلية

أغراض الخبر الأصلية على قسمين فقط:

  1. فائدة الخبر: إذا كان المخاطب جاهلًا بمضمونه، فيكون غرض الخبر حينئذٍ إفادة المخاطب بما يتضمنه الكلام.

  2. لازم فائدة الخبر: إذا كان المخاطب على علم بمضمون الخبر، ولكنه لا يعلم أن المتحدث يعلمه، كأنّ تقول "نجحت يا محمد"، ومحمد يعلم أنه نجح لكنك تقول له الكلام بغرض التهنئة مثلًا.

أغراض الخبر الفرعية

كما تحدثنا أغراض الخبر الفرعية لا يمكن حصرها، وهذه أمثلة على أغراض الخبر الفرعية،

أمثلة على أغراض الخبر الفرعية
  1. الوعظ والتذكير: كأن تقول لأحدهم "اتق الله" بغرض الوعظ، ويمكن أن تأتي بغرض التحقير، أو الإهانة ..، بحسب ما يقتضيه الحال.

  2. إظهار الفرح: كأن تقول "أتى شهر رمضان" بغرض فرحك بقدومه.

  3. إظهار التحسر والحزن: كأن تقول "ضاعت الأمة".

  4. التحقير والاستهزاء: كأن تقول لأحدٍ لا يصلي "الصلاة واجبة" بغرض التحقير وهو يعلم أنها واجبة.

وغيرها الكثير من الأغراض …

توكيد الخبر

يقتضي الحال في الكثير من كلامنا إلى تأكيد الخبر، مثلًا لرفع الشك، أو للرد على انكار منكر،

أدوات التوكيد

ما أكثر أدوات التوكيد في العربية من أشهرها (إنّ، أنّ، أدوات القسم، لام الابتداء، نونا التوكيد الخفيفة والثقيلة(بحسب مقدار التأكيد)، حرف التحقيق "قد"، إما الشرطية …)

أضراب الإنشاء

بحسب ضرب الإنشاء نحدد هل يحتاج الكلام إلى توكيد أم لا،

  1. الضرب الابتدائي

وهو عندما يكون المخاطب خاليًّا الذهن بمضمون الكلام، حينئذٍ يقتضي الكلام أن يكون خاليًّا من أدوات التوكيد، مثلًا عندما تخبر أحدهم بنجاح محمد، ويكون هذا المخاطب جاهلًا بنجاحه تقول له "نجح محمد".

  1. الضرب الطلبي

وهو عندما يكون المخاطب مترددًا أو شاكًا -غير منكر، لمضمون الكلام، كأن يكون ذلك المخاطب في شكٍ بنجاح محمد، حينئذٍ نستخدم أداة توكيد واحدة مثل "قد نجح محمد" لرفع الشك عن نجاح محمد.

  1. الضرب الإنكاري

وهو عندما يكون المخاطب منكرًا لمضمون الكلام، حينئذٍ نستخدم أكثر من أداة توكيد، لتأكيد الكلام عنده، مثلًا كأن يكون ذلك المخاطب منكرًا لنجاح محمد فتقول "لقد نجح محمد" مثلًا.

انتهى درسنا لهذا اليوم، ولم نكمل "أحوال الإسناد الخبري"، في الأيام القادمة بإذن الله تعالى سنكمله.