لدي رؤية لصبي، صبي صغير، عمره سبعَ سنوات أو حتى أصغر. لا أدري إن كانت هذه القصة مُختلقة مع أني كتبتها، لكني أظل أتخيل أنها حدثت في زمنٍ ما. هذا الطفل يستيقظ في حجرة صغيرة باردة ذات بابٍ خشبي. يبدأ يرى دُخان البرد يخرج من فمه كالغيم من شدة البرد، ويداه الصغيرتان محمّرتان. كان جائعاً بشكل لا يطاق. أمه التي ترقد بجانبه كانت مريضة من ليلةِ البارحة. اِلتفتَ الطفل لجهة أمه فيراها لا تزل نائمة. حاول أن يوقظها عِدةَ مرات فأحس أنها لا تسمعه فبدأ يصرخ ب "أمي" إلى أن استسلم. رأى وجهها الشاحب ومسك على خدَّها النحيل فشعر ببرودة وكأنها جسداً بلا روح. حينها خرج من الحجرة ولا يدري أين يذهب. مشى إلى أن رأى باب بيتٍ مفتوح. يسكنان البيت عجوزٌ و شاب صغير. تسلل الطفل إلى الداخل، فرأى أناساً بقبعاتٍ وأجسادُ وحوش. ظلوا يصرخون ويضربون بالعجوز. الطفل لا يدري ما كانوا يفعلون، لكنه ارتاعَ عندما بكت العجوز. وعندها نظر بعفوية إلى أصابعه الصغيرة فتذكر أنها كانت تؤلِمُه، فبدأ يبكي. فمضى خائفاً يمشي يجوب الطرقات. رأى في الطريق دميتين، إحداهما بتنورة زرقاء مُنقطة بالأحمر والأخرى التي كانت أكبرُ حجماً رآها برداءٍ أحمر. استغرب كيف أن لون وجههُم الشاحب مشابه بصفار وجه أمِه عندما تركها، فتذكرها وابتسم. بعدها حاول أن يلمس الدمية الصغيرة لكن جسمه لم يستجب من شِدة البرد. وفجأة نزلت دمعة على خدّ الطفل وكأنه كان يعرف حقيقة الدميتين. مسح على خدِّه بكتفيه الهزيلتين ومضى يمشي تائهاً حتى تعَب فاستند على ساق شجرة وجدها بالطريق. حلّ الظلام على المدينة ونامت أعين الطفل بسكينة. مر الوقت إلى أن أشرقت الشمس وحس الطفل بحرارتِها وهي ترسل أشعتها الذهبية. استطاع أن يفتح عينيه بعد جُهد، فرأى ملامح البيت المهدوم الذي أمامه. لم ينجو من البيت إلا جداراً مائل وفوقه رأى الطفل طيراً، كان طير الشرشور ذا اللون البني. كان شيئاً من الخيال بالنسبة له، فلم يسمع كزقزقته شيئ، ولم يرَ مثل حريته شيئ. فكان باستطاعته أن يحلق في السماء، ويجوب البلاد، ويركب البحار، ويقطع الصحارى ولا يرى الأحزان. فكان الطير بمثابة أمله الوحيد، أمل الهروب وهي الحرية في قاموسِنا. تمنى الطفل في هذا الصباح الباكِر أن يصبح طيراً. فاستجاب لهُ ربُه بإذنه، وجعله طيراً من طيور الجنة. عذراً أطفال سوريا، فلا نملك لكم إلا الدعاء.