سأترك المدرسة

الفكرة للكاتب: عبد الوهاب السيد الرفاعي

كتابة و تأليف: حازم زين العابدين

نعم سأترك المدرسة، عشر سنين قضيتها من عمري و أنا في هذه المدرسة، و ما الفائدة التي جنيتها، فعلياً أي فائدة ترجى من الذهاب الى المدرسة؟!

مدرستي تقع في أقصى أرجاء المدينة و هي مدرسة تتكون من طابقين، لا أنكر أنها مدرسة مبنية على الطراز الحديث و كل الطلبة مرتاحين فيها، لكن ما شئني و بقية الطلاب أنا لست مرتاح فيها أليس هذا سبب كافٍ لتركها-بغض النظر عن العواقب الوخيمة التي ستنتج عن تركي إياها

بينما أنا جالس إلى جانب أختي و هي تقود السيارة لتوصلني إلى المدرسة و الهدوء يسود بيننا، فإذا بها تبادر لكسر حاجز الصمت الذي بيننا، فتبادرني بالقول: هل عزمت على ترك المدرسة يا أخي العزيز؟

و الحمد لله أن أختي كانت متفتحة الذهن و متقبلة لفكرة تركي المدرسة، على عكس أبي و أمي، فرددت عليها: نعم يا أختي تركي للمدرسة قرار قطعي لا تراجع عنه

فتعقب علي و صوتها ملؤه اليأس: هداك الله يا أخي

بعد أن وصلنا الى المدرسة حملت حقيبتي التي أثقلتها الكتب و الدفاتر، و ترجلت من السيارة، و حييت بقية زملائي في المدرسة، و قفت أنا و رفاقي في الطابور الصباحي منتظرين انتهاءه بفارغ الصبر و خصوصاً في هذا الجو الحار، و الحمد لله لم يدم الأمر طويلاً و انطلقنا إلى الصفوف، و دخلت الصف و جلست على الكرسي الذي أقل ما يقال عنه أنه كرسي تعذيب و الطاولة التي و كأنها كانت طوال عمرها في مقهىً أو سجن، محفورة و منقوشة و لم يتبقَ رسمٌ أو كتابات إلا و قد كتبت عليها، من مسبات إلى حكم و قلوب قد شكها سهم الحب فنزفت دماً

قضيت الحصص الثلاث الأولى و أنا أكتب و أتابع الشرح، و عندما حان وقت الفسحة خرجت إلى مع بقية رفاقي و تناولنا الطعام و مر كل شيء كالعادة، تكلمت مع رفاقي عن تركي للمدرسة و وبخوني على ذلك، لكني لم آبه لذلك على الإطلاق، ثم رن الجرس لنعاود الدوام و ما تبقى من حصص بنفس الروتين اليومي الممل

خرجت من المدرسة و رحت أبحث عن سيارة أختي لأجدها تنتظرني، فركضت الى السيارة، هرباً من أشعة الشمس و الحرارة الحارقة، تبادلنا السلام،و لم نتبادل أي كلمة بعدها أبداً

و صلنا إلى البيت و قررت أن أفاتح أبي بالموضوع لكنني و بكل صراحة كنت خائفاً من ذلك أشد الخوف، استجمعت قواي، و بحت إليه بالأمر، و ليتني لم أفعل فقد احتنق وجهه و صرخ: هل ستهدم مستقبلك هكذا، أي ولد طائش أنت، افعل ما شئت لكن اعلم انك المسؤول الأول و الوحيد عن عواقب فعلك، هل تفهم! و لم أجرؤ أن أنبس ببنت شفة

في اليوم التالي و في أثناء الفسحة قررت أن أعلم المدير بالأمر لكي تنتهي علاقتي رسمياً بهذه المدرسة، قرعت الباب و سمعته يقول:ادخل- بصوته الأجش الخشن الذي لا يتناسب بتاتاً مع رجل في عمره، جلست على الكرسي و بادرني بالسؤال: خيراً إن شاء الله؟ أرجو أن لا تكون مشكلة قد أحدثها كالعادة مع أحدهم؟

-لا يا سيدي المدير، جُلُ ما في الأمر أنني لا أريد أن استمر معكم في هذه المدرسة.

-لماذا؟ هل تريد أن تنتقل إلى مدرسة أفضل من مدرستنا هذه؟

-لا، كل ما في الأمر أنني أحس بأن الأمر كله لا فائدة ترجى منه و لا نفع يراد بالمجيء الى هذه المدرسة

-حسناً كما تريد، سأخبر مسؤول العلاقات العامة لكي يجهز لك أوراقك لفصلك رسمياً في سجلات وزارة التربية

-شكراً لك

خرجت سعيداً أيما سعادة و كأنني عصفور قد مضى عليه دهر في قفصه و قد أطلق سراحه، مضيت مسرعاً الى الصف لإكمال هذا اليوم و توديع رفاقي، ثم خرجت الى البوابة قاصداً سيارة أختي، فإذا بصوت ينادين من خلفي: أستاذ نسيت حقيبتك عندنا في الصف...