ظلام في ظلام، سواد في سواد، عتمة في عتمة، مستلق على سرير لا قوة لي على مغادرته، كل أطراف جسدي تأن على نغمات صداع رأسي.

أين أنا؟

هذا هو أول الأسئلة التي راودتني بعدما فتحت عيني بصعوبة، أهذا أحد كوابيسي؟ غياب النور يربكني رغم أني من عشاق الليل و ظلامه.

أفكاري مشوشة فأنا أفكر في كل شيء رغم أني لا أفكر في أي شيء. تتقاذفني أمواج هائلة من الأسئلة التي تنتهي إلى أجوبة معلقة.

رأسي ملفوف بضمادات، يبدو أني في إحدى غرف مستشفى، لكن من جاء بي إلى هنا و ما السبب في ذلك.

لا أذكر كم من الزمن مكثت قبل أن تكسر أولى خيوط الشمس هيبة الظلام.

لا رغبة لي في النوم فعلى ما يبدو أني كنت غارقا في سبات شتوي طويل.

فلأحاول النوم ريثما يتبدى الدجى.

غفوت لبعض الوقت، لأفتح عبني مجددا لكن ليس في الحلكة هذه المرة، بل في ضوء النهار، لم أكن وحيدا في الغرفة بل كانت هناك سيدة أخرى لم أمعن النظر في ملامحها، لكنها بدت ممرضة من خلال هيئتها، لم تنتبه إلى استيقاظي.

  • أريد ماء إذا سمحت!

لم أجد غير هذه الجملة لأبدأ حديثي معها لعلي أجد أجوبة لأسئلتي الكثيرة.

  • الحمد لله على السلامة، لولهة ظننا أنك لن تستيقظ!

  • كيف وصلت إلى هنا؟ و ما سر إصابتي؟ و كم من الوقت....

  • لا تتعب نفسك بهذه الأسئلة الآن سأنادي الطبيب ليطمئن على صحتك.

  • لكن...

  • قلت لا تجهد نفسك، مفهوم.

خرجت و تركتني تائها في متاهة أفكاري، فليس هناك أسوأ من سؤال لا يجد له جوابا.

بدأت أحدق بسقف الغرفة، قبل أن تشد نافذتها انتباهي، لا يظهر شيء منها سوى سماء زرقاء لا يعكر صفوها أية غيمة، سرتني تلك الصورة فصرت أتأملها كأنها لوحة بسيطة بلون واحد لكنها مثقلة برموز أحاول فكها. لكن سرعان ما قاطعتني خطوات الطبيب المتسارعة رفقة تلك الممرضة و أخرى.

  • و أخيرا استيقظت، لقد يئسنا من شفائك، لكن ها أنت ذا، حمدا لله على سلامتك!

لم أنبس ببنت شفة بل اكتفيت بمراقبته و هو يجري لي فحصا سريريا.

  • لازلت بحاجة إلى الراحة.

توجه الى الباب برفقة احدى الممرضات بينما بقيت الأخرى برفقتي، و قبل أن يغادر الغرفة، هممت بسؤاله

  • من فضلك، هلا تسدي إلي بخدمة؟

  • نعم تفضل!

  • كيف وصلت إلى هنا؟ ما الذي حدث؟

  • يجب ألا تشغل نفسك بهذه الأسئلة، حينما تتحسن ستعلم كل شيء

  • لا صبر لي على ذلك، أخبرني وحسب

و هنا بدأ يسرد علي ما حدث.

لقد تعرضت لحادثة سير منذ أزيد من ثلاثة أشهر. صدمتني شاحنة ليلا حينما كنت أعبر الطريق، كانت إصابتي بليغة، و لأن المكان كان شبه خالي، يبعد عن المدينة بأزيد من عشرة كيلومترات، فر السائق، بعدما تركني جسدا هامدا ممددا في جانب الطريق حتى مطلع الصباح حيث وجدني أحدهم و اتصل حالا بالشرطة و الإسعاف ظنا منه أن المنية قد وافتني، نزف رأسي كثيرا، و أصبت بارتجاج في المخ، ثم دخلت في غيبوبة طويلة ظن الأطباء خلالها أن لا أمل لي في العيش، فإصابة كهذه تنتهي غالبا بالموت.

لم تجد الشرطة أي بطاقة هوية بحوزتي، وحتى هاتفي كان خاليا تماما من أي رقم هاتفي، و طول هذه الفترة لم أكن موضوع بحث أو قلق لأي من سكان المدينة، لذلك رجحت السلطات كوني غريبا.

غادر الطبيب و الممرضتان و تركوني في مواجهة حاسمة مع الذاكرة، أحاول تذكر أي شيء لكني متعب، لا قدرة لي على خوض مغامرة البحث و الشك.

غفوت من جديد، غفوة دامت حتى صباح اليوم التالي.

كانت لي رغبة ملحة في الخروج، طلبت من الممرضة التي قدمت لي الإفطار أن ترافقني إلى الخارج لبعض الوقت. لم تعارض الطلب بل لبته.

كانت حديقة المستشفى غاية في الجمال تزرع في نفس الجالس بها سكينة و طمأنينة سلبتها الجراح و الأمراض من المرضى و مرتادي المشفى.

من أكون؟

هذا ما حاولت معرفته أولا و بعد تفكير و تفكير لم أصل إلى شيء، إلى أن مر بجانبي رجل متوسط العمر يظهر عليه كونه استاذا، هنا عصفت ريح الذاكرة، سيول و سيول من الذكريات.

مجاهد، نعم اسمي مجاهد، استاذ في السلك الثانوي، اصلي من فلسطين لكن اعيش في المغرب، انتقلت اليها برفقة عائلتي الصغيرة بعدما رزقت بمولودي الأول، فأبي كان فلسطينيا و تزوج من مغربية، هناك و لدت وترعرعت في القدس، أكملت دراستي الجامعية بلندن، فأسرتي كانت ميسورة الحال، و بعد عودتي عملت استاذا بأحد ثانويات القدس، بعدها توفي والدي فعادت أمي إلى أحضان وطنها صحبة شقيقتاي، و بقيت أنا هناك مع زوجتي و ابني حتى أقنعتني أمي بالالتحاق بهن إلى العاصمة الرباط.

و في ذلك اليوم المشؤوم سافرت إلى هذه المدينة التي لا أذكرها على وجه التحديد، ولا أذكر ما جاء بي إليها، لكنه على الأرجح القدر، فحياتنا و ما يتخللها من بأساء و ضراء و سراء مكتوبة و مقدرة.

عدت إلى غرفتي، إلى سريري، إلى عزلتي، وهمي هو عائلتي، لكن لا أدري لماذا لم يزرني أحدهم إلى الآن؟ ولم كل الأرقام بهاتفي مسحت؟

أشياء غريبة لاقدرة لي على تفسيرها.

علمت فيما بعد أن هذه المدينة هي الداخلة. آه! ما الذي أتى بي إلى هنا و أي قدر ملعون هذا؟

مضى أسبوعان و كل يوم تتحسن صحتي، لذلك أصبح مسموحا لي بالمغادرة، وقعت الأوراق، و أعيد إلي هاتفي، أما المحفظة فلم يجدوا بحوزتي واحدة.

خرجت من المستشفى، غايتي هي العودة إلى الرباط، لكنني لا أملك نقودا، لا بد لي من العمل، نعم يجب أن أعمل، لكن في أي شيء؟ و أين سأبيت الليلة،يوشك الليل على الحلول، أتضور جوعا، لكني تائه في مدينة لم تطأها قدماي من قبل.

كنت أمشي بلا وجهة محددة، تعبت من التجوال، فجلست عل إحدى جنبات الطريق، نكست رأسي إلى الأرض، بعد لحظات راودني شعور بوجود أحدهم أمامي، رفعت عيني بهدوء، لأجد رجلا أربعينيا يقف أمامي كالصخرة، ارتبكت لبعض الوقت قبل أن اقف بقبلته، كان يحدق إلي، دب الرعب في، بدأ جسمي في الارتعاش، لم أجرؤ على الكلام، إلا أنه باغتني قائلا

  • تعال معي ستبيت معي الليلة و غدا سأرافقك إلى الرباط.

  • عفوا سيدي هل تعرفني؟

لم أجد جوابا لسؤالي هذا، فما كان مني إلا أتبعه.

سرنا لمدة تجاوزت الساعة، عبر الشوارع و الأزقة، كان ذلك المجهول متقدما علي بخطوتين، تارة يهرول و تارة يمشي بروية.

أخيرا وصلنا إلى حي كله ظلمة، هنا بدأ الخوف يتسلل إلى نفسي.

كان ذلك المجهول طويل القامة، لم أتمكن من تمييز ملامحه بشكل جيد رغم تحديقي به لمدة طويلة، كان يرتدي بذلة رسمية سوداء، يخفف من حدة سوادها شعره الأشيب.

أخيرا وصلنا إلى شقته التي كانت بالطابق السفلي، ترددت في الدخول لكنه أومأ لي برأسه مشيرا إلي بعدم الخوف، و كذلك فعلت. كانت شقته غاية في الترتيب و التنظيم، اصطحبني إلى غرفة استقبال الضيوف، تركني هناك و توجه إلى المطبخ، لم يتأخر كثيرا في العودة، ثم هم في صب الشاي الموضوع مسبقا على الطاولة كأنه كان في انتظاري، مدني بكأس شاي، ثم شرع في الكلام لأسمع أخيرا صوته

  • البيت بيتك فلا تخجل

  • عفوا ياعم، لكن هل تعرفني؟

  • أنا أعرفك، أما أنت فلا

صمت قليلا ليواصل كلامه

  • أتعلم يابني لم جئت بك إلى هنا؟

  • لا والله!

و هنا بدأ في شرح الوضع.

إنه والد الذي صدمني بشاحنته و فر، و لأنه لم يكن راضيا عما فعله ابنه، لم يكتفي بعتابه، بل كان متتبعا لملفي الصحي و أخباري بالمستشفى، و عند معرفته بموعد خروجي، انتظرني في البوابة الرئيسة، و كان يتبعني إلى أن هدني التعب. ولم يرغب بإخباري بأي شيء في ذلك الحين خشية ردة فعل مفاجئة، فجاء بي الى بيته عساني أكفر لابنه عن جريمته.

بعد سماع كلامه انتابتني مشاعر متناقضة، فقد كنت أتحرق غيظا و غضبا في حين يظهر علي الهدوء، ولم لا و قد دخلت إلى بيت القاتل الغي المتعمد الذي جعلني أدخل في غيبوبة طويلة، و جعلني أبتعد عن قرات عيني و فلذات كبدي، بل أبعد من ذلك فقد كان على وشك القضاء على حياتي دون الشعور بالذنب، لكن في نفس الوقت لا أستطيع فعل أي شيء أمام هذا السيد المهيب الذي أعتبره حبل نجاتي من محنة تسبب فيها شبله الطائش، غير أنه ليس كل أسد يلد شبلا.

عجيبة هي الحياة! تجعلك تصادف ألوانا و أشكالا و أصنافا مختلفة من البشر، كل على هواه، كل على طريقه و مبدأه، بل يمكن أن تجد أكثر من شخص في شخص واحد فتجد نفسك حائرا، لا تدري كيف تتصرف مع كل واحد منهم.

أجيب أم أصمت، وماذا يمكن أن أقوله أو حتى أضيفه، تبادلنا حوارا طويلا من الصمت عبر هو فيه عن أسفه بدل ابنه، بينما عبرت أنا عن حيرتي، لأستسلم في الأخير فأعبر عن قبول الاعتذار مادام سيعوضني.

لم يكن يخشى الشرطة التي عمل جاهدا على جعلها تقفل ملف القضية، فلا رأس خيط يدلها لا على السائق و لا على ماهية هذا الكائن الغريب الذي تم دهسه. لكنه كان يريد أن يصفي حسابات ابنه معي، فهو لا يريد حسب ما قال أن آخذ من ميزان ابنه يوم الحشر، فهو لا يخشى المخلوق بقدر ما يخشى الخالق. هذا الكلام كان كفيلا ليجعلني أحيد عن فكرة المكابرة و العناد، فأي رجل هذا!

و بنفس حفاوة الاستقبال تناولت العشاء لأخلد فيما بعد إلى النوم بغرفة كانت معدة خصيصا لي، لكن لم يتسنى لي قبل أن ينطق لساني بما يحمله فؤادي من قبول السماحة و الإعتراف بالخطأ.

و في صباح يوم الغد، بعد تناول الإفطار مباشرة رافقني السيد الذي لم أكن أعرف حتى اسمه إلى المطار، فالمسافة الفاصلة بين مدينتي الداخلة و الرباط لم تكن هينة، كانت في نفسه رغبة في تكفير ذنب ابنه، بينما كانت نفسي أنا تتحرق شوقا لملاقاة اسرتي، و خاصة ولدي، افليس البنون زينة للحياة الدنيا؟

أخيرا حان وقت رحيلي، اعربت للسيد عن شكري و امتناني له على ما قام به لأجلي و أنا أعلم جيدا أن هذا تعويض ادنى لما حل بي، لكن ماذا بوسعي فعله؟ فقد دفع تكاليف الرحلة و قبل جبيني مرات و مرات، كما امدني بمبلغ مالي لم اعرف قيمته الى اليوم، فلم يعنيني المال في تلك اللحظات بقدر ما عنتني التفاتته الي في حين كان بوسعه تركي لحال سبيلي كما فعل ابنه ذاك.

كانت تلك الرحلة الأطول على الإطلاق رغم أنني نمت قليلا خلالها، إنه الشوق و الحنين، يجعل الأيام سنينا، والدقائق ساعات، خاصة لعديمي الصب أمثالي.

اخيرا و صلت، و ها أنت ذا أيتها العاصمة تلبسين حلة من الضباب لم تزدك إلا جمالا و جاذبية.

لم افكر كثيرا، توجهت مباشرة الى بيتي الصغير مشيا على الأقدام، لعلي أنسى اربعة اشهر من الاستلقاء و الجمود و عدم الحراك. وبعد ما يقارب نصف ساعة من المشي وصلت إلى شقتي، لم تكن بحوزتي أية مفاتيح، فبدأت بالطرق بالباب، طرقت و طرقت لكن دون جدوى، لا أحد بالبيت على ما ببدو، لربما انتقلا الى العيش مع امي و شقيقتاي، ومن يدري لعلهما انتظرا طويلا و بعدما انقطع رجاؤهما عادا الى فلسطين، لكنني استبعد هذا الاحتمال، فوالدي زوجتي متوفيان و ليس لديها اخوة، كما اننا قد بعنا منزلنا قبل القدوم الى هنا، فلا يمكنها اذا ان تعود، و لأي شيء يمكنها ان تعود. و بعد تفكير طويل قررت ان اذهب لأقتني لهما هدية اولا فليس من اللائق العودة بعد غياب دون اية هدية، و بينما هممت بنزول الدرج، اذا بالكوكبين يطلان، صدق من قال ان الغياب و البعد يجملاننا، لازالت حبيبتي قمرا اينما حل يشع نورا، و ها هي ذي تحمل بين ذراعيها من لم تسعني الأرض فرحا بقدومه. ابتسمت ابتسامة عريضة قبل ان المح شخصا ثالثا يرافقهما، انه رجل لا اعرفه، من هو؟ فلأتمهل سأعرف كل شيء بعد حبن.

وصلا أمامي لم ارى في عينيها لا فرحا و لا حزنا، يبدو انها لم تنتبه لوجودي حتى.

-اشتقت اليك حلوتي، تعالي الى احضاني، ام انك غاضبة علي؟ لا بأس ستتفهمين. لكن من هذا الرجل؟

  • عفوا؟ اناديتها حلوتي؟ الاء من هذا المعتوه اتعرفينه؟

  • لا والله! هذه اول مرة اراه فيها!

  • الاء! حبيبتي! انا زوجك، ما خطبك؟ انا مجاهد!

الاء اقسم بالله ان اكتشفت انك تكذبين علي لاحطمنك...-

يا اخي من اين تعرفني؟ يبدو ان الامر اختلط عليك و اني اشبه محبوبتك.

وقبل ان يبدأ هو في الحديث باغثته بلكمة، و نشب بيننا شجار عنيف جعل الاء تصرخ و تنادي على الجيران، لم يتجرأ احد منهم على الاقتراب منا فقد كنا وحشين غابويين يتصارعان لأجل انثى فمن يربح يفز بها.

ما هي إلا لحظات حتى تدخلت الشرطة، و هنا علمت اني المتطفل الدخيل، فقد كانا متزوجين لأكثر من ثلاث سنوات، ماءا يجري؟ هل كانت غيبوبتي أطول من اربعة اشهر؟ لا يعقل فها هو رمضان ابني بنفس الملامح و الحجم التي تركته عليهما.

ذهبت الى قسم الشرطة، شرحت لأحد الضباط ما جرى، لكنه أمر لايصدق، و بعد انتظار، وقعت محضرا ثم أطلق سراحي نظرا لظروفي الصحية.

بدأت أجول في مدينة لاحظت تغيرها جذريا، فهل اربعة اشهر من الغياب كانت كافية ليتغير كل شيء من حولي؟ أم ان قصتي تشبه قصة اهل الكهف، و انني في زمان آخر لا يشبه زماني الذي مرت عليه قرون و قرون؟ اولا زوجتي و ولدي، ثم المدينة التي لم اعر انتباها لتغيرها حينما وصلت اول مرة، فالفرح كان يحلق بي في السماء بين السحب، ثم ماذا الآن؟ أي مفاجأة تنتظرني؟

كنت كالمجنون، اتحدث الى نفسي بصوت عال جعل كل المارة يحدقون بي، الى ان وقعت عيناي عليه، صديقي و حبيبي فاروق، لم نفترق يوما منذ جئت الى المغرب، كان سندي في السراء و الضراء، هرولت اليه ثم توقفت لولهة و بدأت أفكر، ماذا لو لم يعرفني هو ايضا؟ لا يهم سأذهب اليه لعل فرجي يكون بين يديه.

كان جالسا في مقهانا المعتاد وحيدا، توجهت اليه و جلست بجانبه، هممت بعناقه حينما فاجأني قائلا

  • عفوا، أنا لست من تبحث عنه، أنا لا أعرفك حتى!

  • أنت فاروق أليس كذلك؟

  • بلى و لكن من أنت؟

أنا صديقك المقرب مجاهد، كفانا مزاحا الآن، لم أغب طويلا إنها أربعة أشهر فقط!

طلب الحساب و انصرف لحال سبيله متمتما بكلمات لم أفهمها، لا جرم أنه حسبني مجنونا، أصابني دوار شديد جراء الصدمات المتكررة، جاء النادل و مدني بكأس ماء و طلب مني الانصراف، الكل جعل مني مجنونا و احمقا، لا افهم شيئا مما يحدث، أنا اعرفهم جيدا لقد قضيت معهم كل اوقاتي، فلم يصرون على كوني غريبا، هل أنا اعيش كابوسا أم ماذا؟

الآن بقيت أمامي وجعة واحدة، أمي بدأت في الجري إلى قدري، قدر صادم، قدر جعل مني مخبولا. وصلت الى بيتها فإذا بها خارجة مع إحدى شقيقتاي، ذهبت اليها و بدأت في تقبيل رأسها و يديها، كامت تستغرب من ذلك.

آه يا أماه لو تدرين كم اشتقت اليك، لم يعد لي حضن آمن سواك.

نادني بأمي إن شئت، لكن يا ولدي هلا تخبرني ما قصتك ومن من أنت

أمي أنا مجاهد، أنا ابنك!

لكن ليس لي ابناء ذكور، لي ابنتان فقط!

هنا علمت أن العالم قد انقلب رأسا على عقب، حبيبتي لا تعرفني، صديقي لا يذكرني، لكن أمي؟

أنا غريب بين أحبابي إذن، ما الذي أفعله هنا إذا؟ لكن من أنا أولا! هل أنا من الأحياء أم من الأموات، أم ممن أقصتهم الحياة؟

لم يعد لي مكان بهذه الأرض، لا حياة لي الآن، يجب أن أرحل، إلى مكان لا يمكنني العودة منه، ليت ذلك السائق اللعين قتلني و انتهى الأمر، لكنه تواطأ مع القدر.

قادتني قدماي إلى أمام البحر، صديقي الذي ألجأ إليه في الشدائد، لكن أيذكرني أم يستنكرني هو أيضا؟ انهمرت دموعي سيولا و سيولا، من يجرؤ على إيقافها، أنا الذي أعيش في عالم ليس عالمي، عالم سلب مني قلبي، أمامي حل واحد لأرتاح منه و يرتاح مني.

توجهت إلى حافة صخرية ضخمة، بدأت أستعرض شريط الأحداث التي ستشجعني على الإجرام بحق نفسي، أنا الذي كنت أعشق الحياة و أهواها بكل تفاصيلها.

ثم القيت بنفسي الى المجهول لعلني أفتح عيني في عالم آخر قد يكون ملكي، وقد يكون أسوأ.

  • لقد بدأ في الاستيقاظ، إنه يهذي.

  • مجاهد، ولدي، فلتحمه يا رب!

  • لقد فتح عينيه! نعم لقد فتحهما!

  • مجاهد، حبيبي هل أنت بخير؟

  • ما الذي حدث؟ أين أنا؟

  • لا تتعب نفسك ولدي، لقد صدمتك سيارة و أنت الآن بالمستشفى، لقد دامت غيبوبتك اسبوعا، الحمد لله على سلامتك.

-مجاهد انا صديقك فاروق، الحمد لله على السلامة.

  • فاروق ألم تقل أنك لا تعرفني؟ و أنت يا آلاء ألم تتزوجي بأحد ما و قلت أنك لم تريني من قبل، وأنت يا أمي ألم تخبريني بأنه ليس لك ابن ذكر حتى؟ لم أنتم هنا إذا؟

  • مجاهد، أنا أختك راما، لقد كان مجرد كابوس، فلا تشغل نفسك به، كلنا معك حبيبي.

  • لقد كان أسوأ أحلامي.

  • مجاهد، أتذكر تلك المسرحية التي حضرناها منذ شهر أنا و أنت يا صديقي، لقد كان اسمها هذيان عاقل، و إني لأرى أن قصة بطلها شبيهة كثيرا بقصتك، فقد استيقظ في عالم يعرف كل من فيه بينما هم لا يعرفونه.

بقلم: سعيدة أيت علي.