كان وحيدا جالسا على قارعة الترقبّ يرمُقها مِن بعيد, يُمسك بأشياءه المبعثرة تماما , كانت كل أفكاره تدور في فضاءٍ ضبابي مليءٍ بالفوضى, بالضجيج يُخاطب لوحاتٍ تشكيلية تكادُ تكتمل ..

أخيرا مزق جدار الصّمت وقرر أن يكتب فالورق كفيلٌ أيضا بالإنصات لقلمه ! كفيلٌ بجعله ينفلتُ من دوامة خيبته التي خلفتها آثارُ خيانتها لهُ ,لِرجلٍ شرقّي تمرّد على كلِّ الوقائع وتَصدّر أولى المراكز ليختطفها, ليحظى بحبها الآبدي ..

مشاهدُ تجسيدية و كلماتٌ مفبركة جعلته يستسلم لرغبة الرحيل المؤقت ,نحو أحلامه المؤجلة تاركا وراءه نصفَ إمرأة ..

والنصفَ الآخر حمّلهُ داخل حقيبة الأمتعة وسط كمٍّ من الذكرى والحنينِ والغُبار , وأقفل عليها بإحكام حتى لا تُحلّق بعيدا في سماءِ الوحل , حتّى لا يرتوي منها أحدا سواه..

أخذ يشُقّ الورقة على طاولة المقهى شقّا لم ينتبه إلا بعدما سمِع خطواتِ كعب عالي تهز الأرضية من تحته أجبرته اللحظة التخلّي عن قلمه بعدما آستنزف كل طاقته ..

رفع رأسه في هدوء إليها صاحبة الشعر الكستنائي المجعّد, ذاتِ القِوام الممشُوق تماما, والعِطر الباريسيّ الأنيق ,وقبل أن تجلس بجانبه على الكرسيّ المُقابل كان بحاجة إلى مِزاج إضافي فأشعل سيجارة كادت أن تنتحر مِن برودة الموقف ..

ظل يرمُقها بنظراتِ آحتقار وخيبة الآن هو آمامها لا شيء رجلٌ مجرّد من رجولته تَحطّم دورُ البطولة في قصّة حبهما لم يعُد إلا كومبارس كما البداية ..

سادت لحظاتُ صمتٍ أعاد كلٌّ منهما آرتداء نفسه لعلّ الصورة تتضح أكثر , لعلّ الكلماتِ والحوار المخمن له قِبلاً يسقطُ , والزّيف الذي يبررُّ خيانتها يسقطُ أيضا في هذه اللحظة بالذات..

وقبل أن يودّع صمته غلفّ الدخانُ المكان أطفأ السيجارة وبعدما عادت رئة المقهى تتنفس وجد نفسه وحيدا حاول أن يُكمل ما بدأه مع القلم غير أن الورقة حلّقت بعيدا مع موجةِ رياحٍ عابرة لم يشعُر إلا عندما وجد نفسهُ يحلقُّ هو أيضا معها.

تمت