"قصة قصيرة عن الاستغفار، لرجل كأي منا أغرقته الذنوب والمعاصي بفترة من فترات حياته، حالفه الحظ والتقى بشخص غير حياته بأن استغفر له وأوصاه بالاستغفار قبل أن يموت.. والحقيقة أن هذا الشخص كان قد ساق الله إليه من هداه ودعاه قبل ذلك.. ومن هنا تبدأ دائرة الاستغفار..."

"بماذا تنمنم يا عم، هل تسبني في سرك؟"

يا ولدي... هداك الله، كنت أستغفر لك الله وأدعوه أن يهديك سبيل الرشاد...

محمد... طفل نشأ في عائلة ثرية، اهتم به والداه وبكل أمور دنياه، ولكنهما تجاهلا الجانب الديني!

تعلم في أفضل مدارس الدولة، وتغذى على أفخم الأطعمة والأشربة، وارتدى أغلى الثياب، لكن دائما ما كان تعيسا لا يرضى بما لديه.

جلبوا له معلمو الذوق والأدب، فكان طفلا مهذبا، ولكن سرعان ما اختفى كل شيء بوفاة والده، فكل شيء عنده مرهون بالمادة...

اختفى مصدر هذا الثراء، اختفت الألعاب والقصور والمسابح والجمال، وتبقى هو ووالدته بلا مأوى، يعيشون في قرية جميلة خضراء، أهلها بسطاء، وروحهم طيبة، ولكن كيف كان حالهم هناك؟!

تأقلمت الأم سريعا مع جو الراحة النفسية السائد في هذه القرية، وبدأت تخرج وتتعرف على الجيران، وتعلمت القرآن، وجلست في مجالسهم الفقهية والسنية والعقدية، وكانت تجلب لقمة عيش تكفيها وولدها ولا تزيد.

وعلى النقيض كان محمد، دائم التذمر من حالهم ومآلهم، يسأل عن القصور، ويخشى العبور للخارج فيراه أحد يعرفه ويعرف الحال التي وصل إليها، يخاف كل شيء إلا الله، يسيء معاملة الجيران والأصحاب، ويسخر من الشيوخ والعلماء والكبار، ويظلم الضعاف والصغار.

ومع بداية السنة الدراسية الجديدة، سجلت الأم لطفلها في مدرسة القرية، وحاولت إقناعه مرارا وتكرارا بالذهاب إليها؛ لتتحسن حاله، وتتهذب خصاله، ولكنه كان يأبى إلا أن يظل للهم مصاحبا! فقررت الأم أنه ما من بد من إجباره للذهاب وذلك بتهديده بالطرد من المنزل.

بعد صراع وشجار قاتل، انتهى كلام محمد وأمه بقول الأم: "غدا في السابعة صباحا، ستخرج إما للعلم طالبا، فتأتيني بكتب العلم ليلا، أو للشوارع ساكنا، فلا تأتيني بثيابٍ بالية، للمأوى طالبا!"

وكانت تلك أطول الليالي رغم قصرها، كانت أطولها تفكيرا ودموعا من الأم، تدعو الله أن يهدي ولدها ويذهب ويسعى لطلب العلم، والولد غارق في تفكيره، إلى أين يمكن أن يذهب إن تركته أمه؟ أسيأكل من حشائش الأرض، وتنهار هيبته أمام الناس؟! أم يُقبل على العلم مقابل البقاء مخفيا عن أعينهم؟!

مع أذان الفجر، قامت الأم وجففت دموعها، وبدأت تشعل موقدها بيدها التي يحبها الله ورسوله، ومن ثم ذهبت تتوضأ وتصلي كعادتها مذ جاءت القرية، ثم عادت لخبز فطائرها المخمرة.

وعلى الساعة السابعة، وبدون تبادل لأطراف الحديث، وجدت ولدها من المنزل خارجا، وهي تجهل وجهته، داعية أن تكون للعلم...

وبالفعل ذهب للمدرسة، وسمع الدروس وفي قلبه ميل لما يقال، ولكن لسانه وجوارحه يكابرون، ويقلل من شأن نفسه قبل الآخرين بتصرفاته، وقلة احترامه!

محملا بالكتب العظيمة، عاد لوالدته ليلا، فاحتضنته وأثنت عليه، وقالت: "كنت أعلم أنك يا بني عاقل، وستختار العلم والبر بوالدتك."

متجاهلا والدته، دخل محمد غرفته وجلس يلعب ويرمي نظرة –بين الحين والأخرى- على الكتب القيمة التي رماها على الأرض، ومن ثم يعود للهوه.

وفي يومه الثاني، ومع سؤال المعلم للطلاب كلٌ بدوره، أتى الدور على محمد فلم يعرف الجواب.

قال المعلم: "لماذا لم تدرس يا بني؟ لقد شرحت لكم هذا الدرس بالأمس، والطلاب كلهم هنا مجتهدون، لماذا لا تتنافس معهم في طلب العلم؟"

فرد محمد بتعجرف: "كيف تجرأ على الحديث معي بهذا الأسلوب؟ ألا تعلم من أكون؟"

فرد المعلم: "لا يا بني، دعني أسأل الطلاب، هل من أحد هنا يعلم من يكون هذا الشاب؟"

حل الصمت في أرجاء مجلس العلم، فأعقب المعلم قائلا: "انظر يا بني، لا أحد يعرفك هنا، حدثنا عن نفسك لنعرفك ونعرف كيف نعاملك."

أجاب الولد: "أنا ابن أكبر تاجر في سوق المدينة، التاجر الذي لم يستطع أحد أن يتنافس معه طيلة حياته."

فقال المعلم: "وأين ذلك التاجر الآن، أنفعتك تجارته الآن يا بني؟"

فرد الولد متعصبا: "كيف تجرأ على قول ذلك؟ إنك لا تعي ما تقول، ولا تتأدب في حديثك عن والدي!"

طلب المعلم الحكيم من علي أن يقدم نفسه فقال علي: "أنا الحافظ لكتاب الله علي، وإن شاء الله بنهاية هذا العام، سأكون حافظا لمتن الأربعين النووية، كتبت خمس قصص، ولي تسعة عشر مقالا في أرشيف المدرسة."

"بارك الله فيك يا ولدي"، قالها المعلم ثم طلب من عثمان أن يعرف نفسه فقال: "ولله الحمد أحفظ من القرآن نصفه، وأسعى لحفظ النصف الآخر، وأقرأ من الكتب خمسون عن التربية، وستة عن الفقه، وها أنا في طريقي إلى كتب العقيدة، فدعواتكم لي بتيسير الحال."

"بارك الله لك يا عثمان، ويسر عليك الفهم والحفظ والإدراك الثاقب الذي لطالما عهدته منك... انظر يا محمد يا بني، لم يقل أيٌ من زملائك أنا ابن فلان، ولا أنا معي المال، ولم يفخر أيٌ منهم بمادة من هذه الدنيا... لقد ذكرتني يا بني بقصة قرأتها ذات يوم عن أسد صغير جاء أمام تمساح، فقال له أنا ابن ملك الغابة، ولن تقوى على التهامي، فالتهمه التمساح، وسخر من سذاجة الشبل الذي لم يعرف قدره، ولم يهرب وينجو بنفسه رغم قدرته...

الإنسان منا يا بني، لا يعرف بالمال، والجاه والمنصب، وإنما بأعماله الصالحة، وبعلمه وبنفعه للأمة بهذا العلم، إني أرى فيك مواهبا كثيرة، أريدك أن تظهرها؛ لنتمكن من مساعدتك يا بني، فنختار لك من الكتب أنسبها، ومن العلوم أنفعها لك."

رد محمد بعجرفة: "لن يؤثر كلامك بي، لن أتقبل أي منكم، لي قناعاتي في هذه الحياة، ولن أتخلى عنها."

انتهى بذلك اليوم الدراسي، لكن كلمات الأستاذ لم تنتهي من عقل محمد... كان متأثرا بها، لكنه يكابر نفسه.

وفي طريق عودته للمنزل، قابل شيخا في طريقه، فقال له: "يا بني هلا ساعدتني بحمل الأغراض للبيت؟"

فرد محمد متأففا: "ما بال هذه القرية يعاملني أهلها بهذه الطريقة، حقا إنكم لا توقرون الناس وتقدرونهم حق قدرنهم، اذهب يا عجوز واحمل أغراضك بنفسك، إني أهتم بصحتي ومظهري ولا يليق بي حمل أغراضك."

نمنم الشيخ لنفسه حديثا، فقال محمد: "بماذا تنمنم يا عم، هل تسبني في سرك؟"

"يا ولدي... هداك الله، كنت أستغفر لك الله وأدعوه أن يهديك سبيل الرشاد...إنك تذكرني بنفسي وبشدة حين كنت بنفس سنك. أدعو الله أن يهديك كما هداني."

ترك محمد العم كعادته، وعاد لبيته، والأفكار تسبح في تلافيف مخه، تائه وسط الكلمات الحكيمة التي قيلت له، وتلك الأفكار المضطربة المتكونة لديه...

منطقه وقلبه يصدقان ويميلان للكلام الحكيم، ولكن عقله الباطن بأفكاره المضطربة لا يتركانه يتخذ القرارات والأحكام السليمة...

مضت الأيام، ومحمد على حاله؛ لا يقبل النقاش والكلام الحكيم، يحاول معه المعلم مرارا وتكرارا إلى أن تركه وتجاهل محاولاته في جذب الانتباه وإثبات نفسه بالتصرفات العدائية إيقانا منه أن بعض الحالات يكون فيها التجاهل هو أنفع درجات الاهتمام!

وبالفعل بدأ محمد يتحسن، وأصبح على الأقل صامتا متدبرا لما يفعل، ويتسبب به للآخرين، حتى أنه أوشك على الاعتذار من الجميع، إلا أن أحد رفقة السوء عرفت طريقها إليه ومنعته من ذلك!

"أستستسلم وتدعهم يفرحون بانتصاراتهم المتتالية؟!" قالها حسن مخاطبا محمد وهو في طريقه للأستاذ، وأتبع: "أستكون ضعيفا وساذجا... هههه أمثالكم دائما يستسلمون بسهولة لأفكار ذلك المعلم الخرف!"

رد عليه محمد: "أنا لست ضعيفا... إنني قوي ولذلك أعترف بخطأي وسأعتذر عنه الآن... أريد حياة هنية سعيدة، تملؤها الإنجازات والانتصارات الحقيقة كحياة علي وعثمان، ألا تريد أنت حياة كهذه!"

"اذهب يا رجل إلى حال سبيلك... أنا لدي حياتي التي أسعد بها دون شقاء وتعب حفظ واسترجاع المعلومات والكتب الكثيرة السمينة غير الثمينة، لدي ما هو أثمن من كل ما لديهم، وكل ما يحاولون تحقيقه من سعادة أحصل عليه في ثانية واحدة."

تعجب محمد من الرد، وأثار الموضوع تساؤلات كثيرة عن ماهية الشيء الذي يسبب السعادة الفورية، وأفصح عن تساؤله لحسن، فأجابه: "لا تعتذر للأستاذ، وتعال في السابعة مساء عند الفناء الخلفي لحديقة القرية وستعرف الخلطة السرية للسعادة الأبدية التي أتحلي بها."

تاركا محمد تائها في بحر الغموض، ذهب حسن بخطاه الواثقة، اختفى ماديا من أمام محمد، وبقي ذهنيا في عقله، يفكر في مقاله في هذا المقام، ولا يقوى السير للأمام...

وفي تلك الليلة، دقت السابعة مساء، فذهب محمد فعلا للفناء الخلفي، وتفاجأ بمجموعة من الشباب يخلطون خلطات سعادتهم وسط الظلام المخيف، يرهب كل من يراه، المكان مضيء بالكامل، لكنه مظلم بقلوب مرتاديه... شباب في مقتبل عمرهم، يفنون حياتهم بهذه المخدرات المهلكة، حاولوا إجبار الصبي على التجربة لكنه أبى، وحينها خافوا أن يبلغ عنهم فقرروا قتله...

كادت تأتيه الطعنة من دبره، لكن يدا منعتها، ومن ثم توجهت الطعنة لتلك اليد! هربت الطعنة برفقة أصحابها خوفا من الشرطة القادمة.

قالت اليد الحنون لمحمد: "يا ولدي... كنت أستغفر لك الله وأدعوه أن يهديك، إنك ذكرتني بنفسي حين كنت في مثل عمرك عندما جاءني من غير حياتي وأنارها، أنارها بأن دلني على الاستغفار... هداني الله على يديه، يا ولدي ها أنا أحتضر بين يديك تماما كما أحتضر ذلك العم على يدي، تذكرنا يا ولدي بصالح دعائك وباستغفارك لنا، أنت في مقتبل عمرك، وها قد دخلت في هذه الدائرة اللامتناهية من الاستغفار بإذن الله، فلا توقفها، ادع كل من في طريقك لله وللاستغفار يا بني، لعل الله يتقبل منا وينجينا من العذاب يا ولدي."

أجل كان ذلك هو نفسه العم الذي قابله محمد منذ فترة، تلفظها ثم قضى نحبه بين يدي محمد. هنا فقط أدرك محمد كم ظلم نفسه بسوء ظنه وأفعاله الشنيعة مع الجميع، وكيف سمح لرفقة السوء أن تحاول صرفه عن طريق الحق إلى الهلاك والضلال، هنا فقط تعهد على نفسه، يسر الله له طريق الهداية على يد هذا الشيخ الصادق، ذاك الذي تسبق أفعاله أقواله.

ومن هنا بدأ محمد حياة جديدة، سخر منه أصدقاؤه الذين حاولوا تثبيطه وجره لهم، لكنه أبى إلا أن يكون للحق مصاحبا، وجد رفقة صالحة في مدرسته، وكان معلمه دائم الفخر والتشجيع والثناء على أفعاله، ولم يقم يوما بلومه وتذليله بما عهده منه سابقا، بل على العكس تماما كان المعلم صادقا في نيته في الإصلاح، ولم يكترث إلا لمشاعر الشخص التائب أمامه، وبترسيخها والثناء عليها...

أما مع أمه، فكان شديد الندم على ما بدر منه طيلة سنون حياته، وحتى مع والده رحمه الله، كان يتذكره ويستغفر له يوميا آملا أن يعفو الله عنه ويغفر له ما أسرفه وقصره في تربيته وفي حياته...

لم تعد للمادة قيمة عنده، أصبح تعلقه بالشيء مرتبطا بتعلقه بالله، يرى من حوله بنظرة مختلفة، يرى الصغير صغير ذنب، والكبير كبير أجر.... انشغل بنفسه عن تتبع عورات الناس، ومتى ما رأى مذنبا أمامه، جاهد نفسه على الاستغفار له والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...

قضى حياته وأيامه هائما في تلك الليلة التي هداه الله فيها، يحمد الله ليل نهار، ويستغفر الله لنفسه ووالديه وصحبه ولكل من يراه أمامه...

نشأ وترعرع من جديد في مدرسته، وتميز فيها بخطاباته ومقالته المؤثرة، حتى أن تأثيرها تعدى للقرى المجاورة، وعرضت عليه المدارس العظيمة الانضمام لها، لكنه ظل مصرا على جوار أمه التي ارتاحت برفقة القرية، وعلى جوار معلمه الذي لا يكاد يحصى أياديه عليه...

ودائما ما كان يذكر صحبه بالخير، حتى من جروه للفساد، كان ينشر عنهم أحسن الأخلاق والصفات، ويخفى ويستر ذميمها، فسأله أحد العارفين بحالهم لما تركتهم إذا وأنت ترى فيهم كل هذا الخير فأسكته بجوابه قائلا:

"يمكن تحمل أنواع شتى من الاختلاف لكن اختلاف المبادئ والطباع لا يمكن تحمله، بقدر اتفاقهما يكون القرب، وبقدر اختلافهما يكون البُعد، وإلا تأثر كلٌ بالآخر وصَعُب بعد ذلك تقبل الاختلاف... والمحافظة على الحدود عند الاختلاف فيهما ليس تعقيدا للأمور ولا بخيانة للعِشرة -إن كان بلا تجريح-، لكنه حافظ ومُنجٍ للنفس من التأذي والتسبب بالأذى فليس أيٌ منا بملاك... قال صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف""

وكان دائما ما يقول أنه لا يسعه إلا أن يظل لمن عرفهم مستغفرا ومسامحا، فلا أحد منا يدري كم شخصا ظلم، وكم شخصا قهر، وكم ذنبا فعل، وكلنا نحتاج مسامحة الله، ومهما فعلنا مقصرون في حق الله.

كبر وصار شيخا كبيرا، عرفته القرية طيب الخصال، وحسن السيرة والسريرة، عاش بينهم عن المنكر ناهيا، وللمعروف أمرا...

كان مفتاحا للخير، مغلاقا للشر، ولم يمر عليه يوم إلا وكان قد أثر على أحدهم فيه.

مرت الأيام والسنون، إلى أن صار شيخا كبيرا، وشاب شعره، وقابل فتا ذكره بأيام شبابه الطائشة، وأحس أن الدائرة تتكرر...

كان يحاول نصح الشاب، لكنه يفشل، كان يحزن بقلبه عندما يرى حالة الشاب، ويستغفر له الله كعادته، ويدعوه أن يهديه سبيل الرشاد...

حاول مرارا وتكرارا أن يحادث الشاب، لكنه لم يلقى إلا الإهانة أو الدفع والزجر، ومع ذلك لم ييأس أبدا تماما كما فعل معه شيخه...

وفي إحدى الليالي، وعندما اعترى المكان الهدوء التام، وكان الشاب مقبلا على شراء المخدرات، ظهر الشيخ محمد وأنقذ الشاب من أيدي الذئاب الذين لم يسلم محمد من أيديهم الملطخة بالحرام، وعند وفاته كرر ما قد كرره شيخه: "يا ولدي... كنت أستغفر لك الله وأدعوه أن يهديك، إنك ذكرتني بنفسي حين كنت في مثل عمرك عندما جاءني من غير حياتي وأنارها، أنارها بأن دلني على الاستغفار... هداني الله على يديه، يا ولدي ها أنا أحتضر بين يديك تماما كما أحتضر ذلك العم على يدي، تذكرنا يا ولدي بصالح دعائك وباستغفارك لنا، أنت في مقتبل عمرك، وها قد دخلت في هذه الدائرة اللامتناهية من الاستغفار بإذن الله، فلا توقفها، ادع كل من في طريقك لله وللاستغفار يا بني، لعل الله يتقبل منا وينجينا من العذاب يا ولدي."

ثم نطق الشهادتين وتبسم وقضى نحبه بين ذراعي هذا الشاب، الذي اتعظ من الموقف، وعرف صديقه من عدوه، والخير من الشر، وصغرت في عيناه الدنيا ومتاعها، وعظمت فيها الآخرة ومصيره فيها...

أما محمد، فكان الجميع يذكره بالخير، وصلى عليه الجنازة قرابة الألف شخص، وكلهم يشهدون بصدقه وأمانته ونفعه المتعدي...

وظلت كلماته ومقالته عالقة بالأذهان، وكل من يقرأها ويتذكره ويطلع على سيرته، يستغفر له ولكل من يتذكرهم في حياته...

فما أجمل أن يموت الإنسان وتبقى ذكراه حية، وما أرقاها وأعظم أجرها عندما تكون مذكرة للغير بالاستغفار!