بقلم: محمد دومو

جني الثمار

كان فلاح يعتني بشجرة منذ بداية غرسها لأول مرة في حقله البسيط، من أجل جني ثمارها في المستقبل حين تصبح ناضجة.

فكان هذا الفلاح تراه على طول بنظام معين يسقيها، وبسلسلة ري ناجعة كان دائما وابدا بجانبها، وكأنها طفلته المدللة، يداويها من الأمراض، ولتسلم هذه الشجرة كان على الدوام يزيل الأعشاب الطفيلية، بتقنيات مختلفة وعلمية بعض الشيء، من محيطها.

فكانت هذه الشجرة تنمو بثبات نحو الهدف المنشود من أجل ذلك، وهذا ما حمس اكثر فأكثر هذا الفلاح المكذ والمجد في استمرارية ريه وعنايته بهذه الشجرة المرجوة، والمعول عليها مستقبلا. لقد كانت تكبر رويدا رويدا، وكبر حبه اليها ايضا مع تقدم الأيام. كان يرى اجتهاده يتفاعل مع نمو هذه الشجرة، فارتبط بها كثيرا، حتى في أوقات شتى كان ينسى الاعتناء بنفسه..

أصبح هذا الفلاح المسكين، همه الوحيد في هذه الدنيا هو هذه الشجرة، كانت امله الوحيد، لقد كان يعول على جني ثمارها عندما تصبح ناضجة، وحينها ستنسيه كل التعب والكد، في استغلال ثمارها لمرحلة آتية لا محال من ذلك.

لكن مستقبل هذه الشجرة مرهون بأحوال الطقس وهكذا هي الفلاحة، لا شيء يضمن مستقبل فاكهة ما..

وفي الأيام الأخيرة، وعلى مقربة من مرحلة نضجها، تغير طقس هذه المنطقة جذريا، وحل جفاف قاتل، فأصيبت هذه الشجرة المسكينة بعطش في ريعان عمرها، وهي مقبلة على غلة ناضجة، لقد تغيرت أمور نضجها، فبدأت تستسلم لموت قادم غير مرغوب فيه، وكان هذا الفلاح المسكين يرى بأم عينيه شجرته المدللة وهي تموت أمامه، وهو غير قادر على فعل أي شيء قد ينجيها من موت محتوم، كان هذا المسكين يموت هو الآخر قبلها، لكن موته يختلف شيء ما، يموت فيه الحماس، ويموت فيه الاجتهاد والكد، لقد كان هذا الجفاف الحاصل بمثابة ضربة قاسية على الشجرة من جهة وعلى نفسية هذا الفلاح المسكين من جهة اخرى أصعب بكثير..

وبعد زوال هذا الجفاف القاتل، ماتت الشجرة ومات طموح هذا الفلاح معها، فلن يعتني بعد اليوم بشجرة أخرى، أصبحت نفسية هذا المسكين متذمرة الى مستوى لا يمكن وصفها بهذه البساطة.

وكأنه مات مع شجرته المدللة، لن يجني ثمار مجهوداته طوال الأعوام الماضية ولو لمرة واحدة، انه فعلا مسكين هذا الفلاح الغير محظوظ، لقد كانت ضربة قاضية على مستوى حماسه واجتهاداته...