لو نظرنا في الامور التي اراد الاسلام ان يجتثها من المجتمع الجاهلي لوجدنا انه لم يبلغ شيء في التفظيع و التهديد كما بلغ الربا. فما هو الربا وكيف انه في العصر الحديث يكشف عن وجهه القبيح اكثر مما كان يكشفه في الجاهليه ولتنكشف بدورها حكمه الله سبحانه وتعالى في تقبيحه اكثر من اي وقت مضى.

بدايه يجب علينا ان نعرف الاسس التي ينبني عليها النظام الربوي وكيف انه يكون في مقابل النظام الاسلامي.

ان بين هذين النظامين اختلاف جوهري في التصور وفي الاهداف وفي النتائج.

فلو جئنا الى التصور لوجدنا أن النظام الاسلامي يؤمن بان الله هو خالق هذه الارض وما فيها من ارزاق واقوات و نتيجة الخلق يكون هو المالك لهذه الاقوات وان الله لم يخول الانسان هذه النعم بشكل فوضوي انما اقتضت حاكميته ان يجعل منهجا معينا و شروطاً للاستفاده منها.

من ضمن هذه الشروط ان يقوم المجتمع على التكافل بين العباد ليس على طريقة الشيوع المطلق الماركسية و لا الملكيه الفرديه المطلقه انما هي ملكيه فرديه مقيده. فمن وهبه الله من النعم ووسع عليه رزقه يجب ان ينفق على من قدر عليه رزقه مع تكليف الجميع من اجل تحصيل الرزق كل حسب طاقته حتى لا يكون الفرد كَلّاً على اخيه.

البند الاخر في هذا النظام هو الاعتدال في الاستهلاك وعدم الاسراف حينئذ تقل الحاجه الاستهلاكية ويفيض المال ويكون من الممكن انفاق جزء منه على من يستحقه.

الامر الاخر بما ان الفرد في النظام الاسلامي مطالب بتكثير ماله وتنميته اشترط عليه بان يتخذ الوسائل التي لا تكون على حساب اذيه الاخرين وان لا تكون سببا في ان يكون المال دوله بين الاغنياء وان تحرص هذه الوسائل على ضمان جريان المال بين الناس.

في المقابل فان النظام الربوي يختلف اختلافا جذريا في التصور عن نظيره الاسلامي. يفترض هذا التصور انه لا علاقه بين اراده الله وحياه البشر وان الانسان هو السيد في هذه الارض ويفعل ما يشاء. و قد نعلم ان الكثير من الفلسفات والافكار الوضعيه جعلت غايه الانسان هي تحصيل اكبر قدر من اللذه بما يتطلب بدوره تحصيل اكبر قدر من المال مما يقود الافراد والحكومات لتوسل كل وسيله متاحه من اجل الحصول على هذا المال حتى لو كان هذا الامر على حساب اذية الاخرين فلا اعتبار لان يشقى ملايين البشر اذا اضاف احدهم الى خزانته ما يستطيع اضافته.

قد تتدخل القوانين الوضعية في بعض الاحيان من اجل الحد من هذه الحريه بتحديد سعر الفائدة مثلاً ومنع الغش والنهب والضرر ولكن هذا التدخل يقوم على اساس اهواء الناس انفسهم ولا يعود الى مبدا ثابت من سلطة الهيه مطلقة.

من نتائج هذا النظام الربوي ان يتشكل مجتمع غير سوي في الاقتصاد والاخلاق والجوانب الاخرى من الحياه. في هكذا مجتمع يرتكز المال في يد زمره قليله من المرابين مما يؤدي بالضروره الى تمركز النفوذ بيدهم. في معظم الاحيان يتم استخدام هذا النفوذ في انشاء الافكار والمشاريع التي تمكنهم من زياده الاستغلال واقرب هذه الوسائل هو تحطيم اخلاق البشريه واسقاطها في مستنقع الشهوات حتى يدفع الناس اخر ما يملكونه من اجل تحصيل هذه اللذائذ. كما انهم يستخدمون نفوذهم بما يملكونه من الاعلام و التاثير في الترويج لفكرة ان الربا هو النظام الطبيعي المعقول ولا يمكن بدونه ان ينمو الاقتصاد وان التقدم الحضاري في الغرب هو النتيجه الملازمه للربا وان الذين يريدون ابطاله هم جماعه من المثاليين والخياليين الذين يعتمدون على نظريات اخلاقيه غير عمليه وغير قابله للتطبيق واذا اتيحت لهم الفرصه فانهم سيفسدوا كل شيء.

ان النظام الربوي هو نظام معيب من الوجهه الاقتصاديه البحته يقول الدكتور شاخت الالماني مدير بنك الرايخ سابقا في محاضره القاها بدمشق عام 1953 يقول انه لو قمنا بعمليه رياضيه بسيطه لراينا ان خيرات الارض كلها متجهه الى عدد قليل من الناس بشكل لا نهائي ذلك لان الدائن المرابي يربح دائما بينما المدين معرض للربح والخساره ومن ثم فان بهذه المعادله الرياضيه يكون المال في كل الاحوال صائرا الى هذه الزمره القليله وان هذه النظريه في طريقها للتحقق الكامل.

من المصائب الاخرى لالنظام الربوي والتي تنتج عنها الازمات الاقتصاديه الدوريه ان العلاقه بين اصحاب المال من جهة و التجار واصحاب المصانع من جهة أخرى هي علاقه المشاكسه فان اصحاب المال يسعون الى الحصول على اكبر فائده ومن ثم يمسكون المال حتى يزيد اضطرار التجار والصناع اليه فيرتفع سعر الفائده وهكذا يستمر سعر الفائده في الارتفاع حتى يجد اصحاب التجاره والصناعه انه لا جدوى من استخدام هذا المال لانه لا يجلب لهم المنفعه الكافيه لتسديد الديون والانتفاع بالباقي عندئذ ينكمش حجم المال المستخدم وتضيق دائره الصناعه والتجاره فيتعطل العمال وتقل القدره على الشراء وعندئذ يرى المرابون ان الطلب على المال قد نقص او توقف فيعودون الى خفض سعر الفائده اضطرارا فيقبل عليه العاملون في الصناعه والتجاره من جديد وتعود دوره الحياه الى الرخاء وهكذا هي دواليك الازمات الاقتصاديه التي يدور البشر فيها كالساعه.

اخيرا نشير الى انه كل فرد على وجه الارض يدفع ضريبه لهؤلاء المرابين فان المصانع حتى تستطيع ان تسدد الفائده لهؤلاء تقوم برفع اسعار المنتجات وهكذا يشارك المستهلكون في دفع الضريبه لاصحاب الاموال واذا اخذنا الحكومات كمثال اخر فهي عندما تقترض من اجل القيام بمشاريع اعماريه فانها بدورها ترفع الضرائب المختلفة على المواطنين من اجل ان تستطيع تسديد الديون وهكذا فان كل فرد يدفع ضريبه اخذ هذه الاموال و قلما ينتهي الامر عند هذا الحد ولا يكون الا الاستعمار هو نهايه الديون ثم تكون الحروب بسبب الاستعمار.