الملاذ الأول

أوت 2020

قيل أن طعم الندم مر، سم يحرق أحشائنا ويمزقها، يأرق مضجعنا، يهزم قوتنا، يسلب راحتنا، يكسر روحنا.

وحين نغرق في تلك الموجة نبحث بلهفة عن النجاة.

نبحث عن الحياة !

وهذا حالنا وحال أبطالنا وسوء اختياراتهم، وما يقترفون لتحقيق أحلامهم ورغباتهم..

فسلاما للضائعين في زحمة الحياة ومن مزقت روحه برود العلاقات.

وسلاما لمن قدم قلبه لمن لا يستحق فداءً، فدهست روحه تحت أقدام العبث وهوان.

وسلاما لمن أراد أن يحيا دون آلام، فارتطم بالواقع يعيشها بأركانها الصعبة ويؤدي طقوسها الوعرة.

قيل أن هناك نوعان من الحب

حب يعطي ويمنح الحياة

لكن عبث حين يصبح الحب فقدان الرغبة بالحياة.

والمأساة لا تكمن في المنح والعطاء بل تكمن في الحب الذي سرق منا الحياة.

خطف البسمة..

خطف الروح.

*****

على قارعة الطريق تمشي والبرد ينخر جسمها، تمشي بتيه وفكرها شارد مغيب من الزمان والمكان، أفكار تنخر عقلها نخر الحجرِ .

يضيق قلبها من كل اتجاه وكأن صخرة انطبقت عليه، كلما تحاول نزعها تخور قوتها وتفشل، تمشي تحت المطر لا تعرف إن كانت دموعها أم المطر الذي ينزل على خدها تبكي حالها.

تبكي قلبها الذي أحبه حتى صار يتنفس هواه، تبكي الجرح الذي سلا سيفه ومزق جدران قلبها، تبكي غبائها.

تعاتب روحها، تنحر ساذجتها، تشتم سجيتها، تلعن قلبها اللين والغبي، تشتمها للمرة لم تعرف العد.

روحها تنازع تكاد المغادرة

رباه !

كيف وقعت؟

كيف سقطت؟

كانت أسعد فتاة على وجه الأرض، عاشقة محبة بكل جوارحها، هل ما تعيشه الآن حقيقة؟

أحقا حقيقة؟

ألف سؤال دون اجابة شافية كافية لتنجو من تيهها، تبكي وتمسح دموعها بغضب تريد ايقافهما، لكن ينبوع الألم انفجر بداخلها أجج نارها، غضبها وضغط على اعصابها تكاد تنهار، وعيونها وسيلة لإفراغ كل الألم والوجع الذي طال قلبها، وقلب حياتها رأسا على عقب.

قيل أن الحب أعمى، لكن هي عمياء البصر والبصيرة، وعلى حسابهما أقامت جنازة تنعي روحها الأسيرة.

**

تبكي الخطة الخبيثة التي وقعت فيها بكل إرادتها مغمضة العينين..

لكن تشكر الله ألفا وأكثر أنها خرجت كالشعرة من العجين أنها سخر الله لها حتى ألذ أعدائها، لينقذها مما كادت أن تنهي حياتها بملء إرادتها، نجت وهل بعد الألم نجاة؟ !

عاشت أكبر كذبة في حياتها وهي سعيدة بها دون علم، حتى استفاقت وارتطمت أحلامها بالواقع، بعد أن انقشع الضباب عن عينيها، تداخلت الحقيقة مع الوهم بخيط زائف اسمه الحب.

****

قبل أسبوع

في شوارع باريس التاريخية والجو الكئيب، هواء بارد، سماء رمادية قلما تنقشع وتظهر الشمس الساطعة ترمي بأشعتها للأرض، تقود السيارة تراوغ هذا وذاك في سعادة منطلقة النضير غابت عنها منذ سنوات.

روحها تهفو وتصرخ مع سرعتها والعودة لبيتها، غرفتها، فقد اشتاقت لوالدتها، ووالدها، وصديقاتها كثيرا.

وخاصة والدها الذي مازالت مستاءة منه وما أقدم على فعله بها ظنا منه أنه يحميها من الوجع فأبعدها إلى بلد آخر لست سنوات دون عودة للوطن، حتى في المناسبات أو عطل، استثناء لمناسبة واحدة أخبرها أن تحضرها، ومن شدة لهفتها ولوعة الغياب عادت إلى الجزائر وبقيت أسبوعين تستنشق هواء الوطن، ثم أجبرها على العودة إلى فرنسا اجبارا دون إبداء سبب لفعلته معها أو تركها تناقشه حول السبب في ابعادها من الأول وليس الآن وهي في طور انهاء دراستها، لكن لم تأخذ منه ولا كلمة تشفي قلبها واحساس الظلم الذي يعتريها منه، ما ضاعف غضبها عليه وحزنها منه لما تركها تعيشه طيلة ست سنوات، فما الذي أجرمته لينفيها ويعزلها عنهم عن عائلتها.

 فهي اجتماعية بطبعها، لا تستطيع العيش دون وجود بشر من حولها، خاصة الذين تعرفهم، فما بالك بهذه الغربة التي تعيشها في نفسها وروحها.

كانت وسائل التواصل الاجتماعي خير مساندة لها في غربتها تلك، واتصالاتها المتكررة مع والدتها ومعرفة أخبار بعضهما البعض، دون كلام مع والدها التي ترفض حتى رؤيته إلا عبارات سلام جافة التي لا تسمن ولا تغني من جوع روحهما والاشتياق لبعضهما تلقيها عليه على شكل رسائل وهو يستقبلها بصمت وحزن عليها وجوع كبير لملامح وحيدته فيعيد لها تلك العبارات التي تزيد من استيائها أكثر كل مرة، دون أن تتجرأ لمعرفة لما هو أكثر ولماذا عاملها بتلك الطريقة فتنهي مراسلته لفترات طويلة حزينة وغاضبة منه.

لكن هي دائمة الاتصال مع أكْسِل ابن عمها، الذي كان دائما

 يرفع من معنويتها في غربتها ويشجعها، وكم مرة سافر لأجلها وأحضر والدتها معه عندما يضنيها الشوق لهم ويجدها ضعيفة بغيابهم فيفاجئها بعد كل اتصالها بقدومه لها، لكن مؤخرا كان قليل الاتصال، فأكسل ليس أكسل حديثه قليل، صامت معظم الوقت، لم تتجرأ أن تعرف السبب منه، فاتصلت بوالدتها تتساءل عن سبب تغيره، لتخبرها بما آلت إليه الأمور وخبر طلاقه الذي صدمهم جميعا، لتتصل هي به تعاتبه بعدم اخبارها لتفاجأه بإطلاق زغرودة صمت أذنه من أجله.

****

فقد كان خبر طلاقه أسعد خبر سمعته لأنها كانت تكره طليقته تلك المتعجرفة فبحضورها زفاف أكسل انتقدت وعابت خياره في النساء وأنه أفضل منها ولا تلائمه وما الذي أعجبه فيها وكأنها أمه أخذت دور  الحماة التي تنقد كل شيء، فاخبرها فقط أن تحترم خياره وهذا يفي بالغرض وقد كان، فاحترمت ذلك دون التدخل في حياته مع زوجته.

وهي لغاية الساعة لا زالت تجهل سبب طلاقه، لكن لا يهم قريبا جدا ستعود وتعرف كل الأمور الجاهلة بها، وتنعم في كنف عائلتها مجددا بعد طول غياب.

****

هي درع مصنوع من ذهب وقلب من فولاذ، تحب بإخلاص صريحة حد الوجع بصراحتها المهلكة، وأذيتها موجعة لمن تعدى حدودها معه، لكن إخلاصها دائما من يؤذيها ويؤذي قلبها.

فكل ألامها كان هين إلا ذلك الجرح حين تألمت على يد أحبائها، كانت تموت لألمهم وحزنهم،  ومن أجل اسعادهم تبيع الغالي والرخيص فقط لترى تلك البسمة على وجوههم، فلم تكسب إلا جرح نفسها، وبدل إسعادها ضاعفوا عليها الجراح، وبدل أن يضمدوها أضافوا عليه الملح لتتلوى من الوجع القاتل.

ست سنوات مروا عليها وكأنها في الجحيم خاصة أولى أيام سفرها والعيش هنا في منزل عمها الذي لقيت ترحيبا معهم في السنوات الأولى من غربة قلبها، وبعد أن سافرت بجرح عظيم وروح كسيرة فمن يجبرها، ويداوي تلك الروح العليلة بالهوى والشوق المضني، وكأن الألم تكالب عليها لتعيش في منفى.

وأخيرا بعد ست سنوات ستعود نهائيا للجزائر، رباه كم هي سعيدة بالخبر !

فقد أنهت دراستها منذ مدة وعملت بعد تخرجها، لكن بسفرها دون رغبة منها وأن والدها هو من أجبرها على السفر لم تستطع أن تحس بشعور الناجح أو طعم الفوز بعد معركة حياتها.

والآن تشعر وأنها ستحلق الآن دون حاجة لوسيلة تحتضن والدتها وتدمع عيونها فرحة، وأنها ستعود وستحيا من جديد.

تريد أن تذهب وتتراقص تحت سماء الوطن، تنعم ببحرها، وتشم هوائها.

لكن هناك رهبة عظيمة من والدها متخوفتا منه أنه لا يستقبلها، لا يريدها أن تعود مجددا رغم أن أكسل أوحى لها أن والدها يريد لها العودة.

والدها الذي يكتفي بأكسِل ابنا له دونها، أحيانا تشعر بالغيرة تحرق قلبها من علاقة والدها به، وهي ابنته ينفيها ويقصيها من حياته، لكن حين ترى ما عاشه تلك الغمامة تزيحها من قلبها.

فوالدها مراد الذي تربى على قوة العقل ورجاحته، رجل تجري في جيناته الرهبة والهيبة، كلمته سيف على رقبته ولو انقطعت، لا أحد يعارضه في قراراته قريبا كان أو بعيد، حتى هي إلا شخص واحد إلا أكسل.

أكسل الذي توفيا والديه في حادث سير وهو في عمر الخمس سنوات  والوحيد الذى نجى منها وتم انقاذه، ذلك الحادث الذي كان مشكوك في أمره، ولكن كل الأدلة اختفت وطمست في طيات الماضي وذهبت الحقيقة مع من ماتوا .

 فمراد رباه بكل حب وعطاء لم يبخل عنه بشيء، الذي أرادها حصل عليها وأكثر، فهو يريده خليفة له وابنته في كل شيء.

فوالدها الوحيد الذي اهتم بأكسل ورعاه ورباه ولم ينقص عليه شيئا، بغير عمومها الآخرين منهم من سافر ومنهم من تحجج بالظروف، رغم سلطة ونفوذ عائلتها الجبارة.

النار مازالت  تحرقها لتصرف والدها معها، لكن رغم ذلك تريد أن تراه، تتحدث معه، تقص عليه ماذا تفعل تغيرت عن سابق عهدها وتهورها وألجمت نفسها في الكثير من الأمور التي كانت تفعلها، تريد أن وتعود تلك الطفلة التي كان يعانقها ويحملها بين أحضانه ويقوم بإخافتها حين يمسكها بيديه ويرميها تعانق السقف ثم تعود ويمسكها مجددا ويحتضنها ضاحكين.

تريد أن تعاتبه أنه تخلى عنها في أحلك أوقاتها.

تريد وتريد.

تريد الكثير.

سعادة، فرح، حنين، شوق، نبض، خوف، حيرة

كلها مشاعر متضاربة تعيشها الآن بأركانها، من وقت قرارها بالعودة إلى الوطن، دون اخبراهم ستفاجئهم بعودتها، وهذه المرة ولو اجبرها والدها مرة أخرى على المغادرة لن تنصت إليه وستغادر منزله.

أخبرها مرة أكسل أن الآباء دائما على حق، لكن هي لم تصدق ذلك، وناقشته بغضب ونفس كسيرة أن والدها لم يكن له أدنى الحق في اجبارها عن السفر وابعادها عن أحبائها بتلك الطريقة وكأنها مجرمة يهربها بسبب فعل مخالف ستسجن عليه أو ستسيئ لاسمه، لهو أكبر ظلم من والدها حين أبعدها عن كنفهم.

 فبقيت غصة بقلبها وروحها تنزف في الغياب والفراق.

دام لست سنوات.

رغم ذلك درست وأكملت تعليمها في أحسن المدارس ووالدها لم يبخل عليها في شيء، كونت هنا صداقات كثيرة هونوا عليها غربتها، حتى ابن عمها الآخر الذي سافر إلى الولايات المتحددة يكمل تعليمه حين أتت في أيامها الأولى، كان نعم الصديق والذي اعتمدت عليه كثيرا، فقد كان في مقام أكسل حين يغيب يأتي هو ويزيل عنها غبار الغربة قليلا، ولكنه بسفره بعد ذلك ابتعدوا كثيرا حيث يأتي فقط في المناسبات وأحيانا لا يأتي أبدا، معاملته تغيرت بعض الشيء معها، لكن حين انتهت من الدراسة أين كانت تقيم في الاقامة الجامعية، أخبرها أن ترى سكنا دون حاجتها للعود والعيش مجددا مع والده الذي هو عمها وتعمل في مجال دراستها، فوجد لها سكن وأعجبها لتقرر أن تستقر فيه، لكن تتساءل لماذا لم يعد؟ فحين انتهى من دراسته بدأ عمله هناك، ثم عاد إلى الجزائر قبل ثلاث سنوات، ولا تعرف لماذا بقي في الجزائر دون العودة ومسك أعمال والده هنا بفرنسا فمعظم أملاك والده هنا.

****

أوقفت السيارة في الموقف أمام المنزل، تترجل مهرولة منها تصعد السلالم بدل المصعد من حماسها لا تطيق انتظاره، فوصلت للطابق الثالث تلهث من سرعتها ترن الجرس دون توقف.

وكأن روحها ستعود أخيرا لجسدها

ضحكة خافتة  ثم قهقهة أعادت بسمتها، بسمتها للحياة.

وأخيرا !.

في حضرة انشغال عقلها بما سيفعل بعد هذه الفرحة وروحها التي سبقتها السفر للوطن، استفاقت على من سيفتح لها الباب يحدثها باستياء، لتضحك أكثر من كلامه: 

-"حنان، حنان يا شقية توقفي عن الضغط على الجرس، من فضلك !"

****

قبل شهرين-جوان2020-

جالسة في مكتبها تضع نظارة على عينيها وقلم بين شفتيها غارقة في تلك الوثائق التي بين يديها دون رفع رأسها، تحاول ايجاد تلك الثغرة القانونية التي ستكون حجة على خصمها في المحكمة.

 تدرس بنود العقد ذاك بتركيز شديد.

-"أوووف، لا توجد أية ثغرة في هذه الأوراق يا الله ! كيف ذلك كلها ضده؟"

رفعت رأسها عن تلك الوثائق التي بين يديها تزفر باستياء تلقي بالقلم الذي يعانق شفاهها على المكتب، ثم أرجعت جسدها قليلا للوراء تتكئ على الكرسي في انزعاج، نزعت نظاراتها تدلك عينيها بلطف.

طوال ليلة أمس ساهرة عليها، لم تبارح مكانها، حتى غشيها النوم وهي تحاول ايجاد الخلل فيها، وتدرس كل البنود الخاصة التي ستترافع عن موكلها.

والتي وجدته في أول الأمر مذنب فرفضت الدفاع عنه، فترجتها والدته أن تقبل بالقضية وأن ولدها بريء، وحقا فمعظم الآباء في اعتقادها يدافعون عن أولادهم ومهما كانوا مخطئين يتغاضون عن أفعالهم دون حساب في اعتقادها لذا قالت لها أنه بريء.

 فأخبرت والدته أنها ستذهب إليه تحدثه وبعد كلامها معه تقرر هي أن تقبل أو ترفض قضيته.

 كان الشاب في عمر التاسعة عشر في عمر أخويها التوأم حمزة ووليد، طالب جامعي مجتهد يتماثلون في أخلاقه ومعاملته الجيدة مع الغير والكل يشهد له.

وفي حقيقة الأمر أن هذا الشاب تعرض لمؤامرة تم الإيقاع به.

 فمكان منها إلا أن أخذت نسخة من المحضر واتجهت للسجن أين تم توقيف الفتى.

**

 وكان المحضر يحتوي على أن الشاب كان بحوزته بعض المهلوسات، تم إيجادها في حقيبته المدرسية داخل الجامعة، فتم القبض عليه وذلك باتصال مجهول بالشرطة واعطاء مواصفات الشاب وأنه "دُونْ" يُحضر كميات كبيرة من

المخدرات يقوم بتوزيعها على الطلبة، وحين القبض على الفتى تم فحص دمه، وجدوه صافيا لم يحتوي على أي نوع من المخدر أو مهلوس، إلا تلك الحبيبات التي كانت في حقيبته.

***

تحاول أن تكسب القضية وتجلب له حكم البراءة !

بزيارتها له مجددا وجدته خائف من نهاية حياته بين هاته الجدران، يقسم لها أنها ليست له، ولا يعرف من وضعها في محفظته، ولأنها فذة في منهتها بكلامها معه أصدقته القول، وتأكدت أنه بريء.

لكن كل الأدية تدينه، فليس هناك شاهد لصفه إلا أخلاقه وتصرفاته على الأقل ستكون حجة قوية له لا عليه.

 وأقل الحكم عليه سيكون سنة، وسنة كافية لتدمير حياة الفتى لو نفذ الحكم عليه.

وعلى ما يبدو فالشاب شوكة في حلق أحدهم، يكرهه، ويريد أذيته ليتم توريطه بتلك الطريقة الرخيصة المشمئزة.

هي معروفة منذ الأزل إن أردت أن تزيح خصمك اضرب أغلى ما يملك !

اضرب سمعته !

فالسمعة هي أغل ما يملك الإنسان سواء كان جيد أو سيء.

وبنفس الطريقة تم الترصد بالشاب ليتم توريطه وتضييع حياته.

طرقات على باب المكتب جذبت انتباهها.

-"أستاذة ديهيا، والدة يوسف أتت، هل أدخلها"

-"نعم، نعم أدخليها كنت في انتظارها، لأسألها حول أصدقائه ! فهناك شكوك تنتابني حولهم ".

****

أوت2020

مرّ أسبوع على تلك الأحداث التي ضاعفت عمرها عمرا، وشاخت روحها الفتية، تبكي وإن كان البكاء ينفع لن تدع عيونها تجف، مرّ أسبوع من اتصال ذاك الآخر بها الذي عرّ روحها، وشعور الاحتقار الذي صاحبها إلى غاية الساعة.

تمشي الهوينا تناجي روحها الغريقة، تتذكر ذلك الاتصال وما تلاه من أحداث صادمة لا زال عقلها يفندها أنها حدثت لها وكله كابوس ما زالت غارقة فيه.

تتذكر اتصاله لها عندما كانت تنتظر ذلك البائس الحقير مدعي الحب.

****

قبل أسبوع

في بيت مطل على البحر واقفة وبيدها كوب من القهوة، جبهتها على زجاج النافذة المطل على البحر، غارقة في أمواج البحر المتلاطمة وكأنها تلاطم وجهها  وروحها هي لعلها تستفيق، من وهم موصوم  باسم الحب.

انسحبت لتجلس على الأريكة مستمتعة بأغنية رومانسية هادئة مثل أفكارها، منتشية سعيدة حالة من الهدوء وصفاء الذهن، ليرن هاتفها معتقدة أنه خطيبها وحبيبها العزيز لتجد رقما غريبا فوضعته على الطاولة غير مهتمة بالرد عليه.

توقفت رنته فأضيئ مرة أخرى وتشتغل نفس الرنة والرقم نفسه لعدة مرات، لتقرر بعدها الرد مستاءة من صاحب الاتصال الذي لا يفهم أنها لا تريد الرد، وكأنه دخل لعقلها وقرأ أفكارها:

-"ألو ! من معي"

-"السلام عليكم، الآنسة آنيا قائد، أنا إلياس"

ألقى السلام بلهفة، أثارت فضول الأخرى، تستقصي من قاطع عزلتها وحالة الهدوء التي كانت تعيشها مردفة تتساءل:

-"وعليكم السلام نعم هي، إلياس ! إلياس من؟"

تعرف في حياتها إلياس واحد فقط ومتأكدة أنه ليس هو من يتصل بها،  ولكن لكنته الغربية المتأثرة بعيشه في الخارج أكد أنه هو، لا غير، فتسمعه يعرف بنفسه مجددا:

-"أنا إلياس صديق فاتح، ألم تتعرفي عليّ؟"

مستغربة من اتصاله ومن أين أحضر رقم هاتفها، فأردفت تسأل باستفهام:

-"إلياس ! أهلا بك كيف أساعدك؟

أثار في نفسها الفضول ماذا يريد منها، فعلاقتهم بعيدة كل البعد ليتصل بها هذا الشخص، ليقاطع أفكارها بقليل من التهذيب:

-"لا أنا من سيساعدك !"

أبعدت قليلا الهاتف من أذنها تحدث نفسها مستغربة منه.

-"أحقا أيمزح هذا معي !"

قالتها بهمس ثم أعادت الهاتف لمكانه مبادرة إياه بالسؤال الذي كان متوقع أن تطرحه عليه، فعلاقتهم ليست لتلك الدرجة من الحرية ليتصل بها:

-"من أين أحضرت رقم هاتفي؟ أفاتح من أعطاه لك؟"

-"لا ليس فاتح من أعطاني إياه، وهو لا يعرف باتصالي لك ومن الأحسن لك ألا يعرف"

اغتاظت من كلامه الذي أصبح يوحي بأن هناك أمر جلل قادم، لتقوم بطرح سؤالها مجددا بشيء من الفضاضة أحس بها:

-"قل لي كيف أساعدك سيد إلياس؟"

-"لا آنستي، لست أنا من يحتاج المساعدة كما قلت، الذي يحتاجها هو أنتِ"

ضاعف الشك في قلبها بكلامه لينسف بكلامه شبه تحضرها معه، وكأنه من المخابرات:

-"ورقم هاتفك أحضرته بطريقتي فأنا لدي مصادري، وليس هاذا هو المهم، أحتاجك أن ترك ....".

-"أحتاجك أن تركزي معي"

قاطعته ولم تدعه يكمل حديثة بطريقة فضة بدون حتى أن تفهم الموضوع أو المصيبة التي ستحل على رأسها....

هي غير مهذبة فيما يخص التعامل مع أي غريب فما بالك بهذا الذي يُشعر في نفسها النفور، وهو يتكلم وأنه يمننها بمعروفه.

تضع حدود مع الكل إلا المقربون منها وصديقاتها من يعرف شخصيتها وأسلوبها أول فكرة تنطبع للغير حولها أنها مغرورة ومتكبرة، ربما راجع ذلك باعتبارها الفتاة الوحيدة المدللة لوالديها هي وأخيها....

أكملت تحدثه بأسلوب نزق ومتعجرف:

-"هناك أشخاص لا أحتمل أن يكون رقم هاتفي معهم وأنت واحدا منهم، ولا تهمني مساعدتك دعها لك ربما تحتاجها"

-"انتظري، انتظري لحظة، ما هذا يا فتاة أتصل بك لأمر يهمك، ولم تدعين أكمل حديثي حتى، وتجاوزين حدودك تبا لك غبية وتافهة لا تعرفين أبسط قواعد أدب الرد فلتذهبي إلى الجحيم ! تافهة".

اغتاظت من نعته لها بالغبية والتافهة ويكررها الحقير يتصل بها ويشتمها، وهو أكره شخص على وجه الأرض الذي يلازم خطيبها أينما ذهب، وكأنه غراء..

-"غبية وتافهة أنا! وتشتمني يا حقير، تتصل بي وتشتمني !".

-"هناك الكثير من الشتائم فهذا يعد تحلية بالنسبة للذي قلته لك"...

قالها مستهزئا بها، وأكمل غير آبه بها بالمرة:

-"بدون كلام زائد اصغ لي جيدا ستشكرينني على مساعدتي لك فيما بعد..".

لتقاطع كلامه بنزق:

-"أحقا ! سأشكرك على مساعدتك لي من تظن نفسك؟ !".

وكأنها ضغطت على ألمه ليعصف بها يهينها بطريقة متحضرة مردفا بأسلوب جارح أصاب هدفه:

-"قلت بيني وبين نفسي أتصل بهذه الغبية ناقصة عقل المغرورة، لأسدي لها معروف، لكن حسب ما أرى أنت لست أهلا له".

-"وما زلت تشتم، أخبرني أو أغلق الهاتف تبا لك !".

بدأ بسلام ليشعل بينهما حربا كلامية هو يرمي وهي ترد دون أن تهتم، فيضيف يتمم مهمته متسائل:

-"أين أنت الأن؟".

-"في ما يهمك أين أنا؟".

زفر بتأفف مدمدم

-"اللهم طولك يا روح، لا يهمني أين أنت ولا أمرك أيضا؟"

باستياء يقصف جبهتها الغير المحمية من لطمات كلماته، التي يريد أن يقف أمامها بدل الكلمات لطمات لعلها تعرف أين تهوي ثم أكمل بصدق صادم:

-"اتصلت بك لأقول أن خطيبك الذي هو صديقي للأسف يتلاعب بك".

**

نهاية الملاذ الأول